Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 14-14)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا } بـيانٌ لتبايُن أحوالِهم وتناقضِ أقوالهم في أثناء المعاملة والمخاطبةِ حسَب تباينِ ومَساقِ ما صُدِّرت به قصتُهم لتحرير مذهبهم والترجمةِ عن نفاقهم ، ولذلك لم يُتعرَّضْ ههنا لِمُتَعَلَّق الإيمان فليس فيه شائبةُ التكرير . روي أن عبدَ الله بن أبـيٍّ وأصحابَه خرجوا ذاتَ يوم فاستقبلهم نفرٌ من الصحابة ، فقال ابن أبـيَ : أنظروا كيف أردُ هؤلاءِ السفهاءَ عنكم ، فلما دنَوْا منهم أخذ بـيد أبـي بكرٍ رضي الله عنه فقال : مرحباً بالصّدّيق سيدِ بني تيم ، وشيخِ الإسلام ، وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، الباذلِ نفسَه ومالَه لرسول الله ، ثم أخذ بـيد عمرَ رضي الله عنه فقال : مرحباً بسيد بني عديّ ، الفاروقِ القويّ في دينه الباذلِ نفسَه ومالَه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ بـيد علي كرّم الله وجهه فقال : مرحباً بابن عمِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وخَتَنِه ، وسيدِ بني هاشم ما خلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فنزلت . وقيل : قال له علي رضي الله عنه : يا عبدَ الله اتق الله ، ولا تنافقْ ، فإن المنافقين شرُ خلق الله تعالى ، فقال له : مهلاً يا أبا الحسن أفيَّ تقول هذا ، والله إن إيماننا كإيمانكم ، وتصديقَنا كتصديقكم ثم افترقوا فقال ابن أبـيَ لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت ، فإذا رأيتموهم فافعلوا مثل ما فعلت ، فأثنَوْا عليه خيراً ، وقالوا : لا نزالُ بخير ما عشتَ فينا . فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فنزلت . واللقاءُ المصادفة ، يقال لقِيته ولاقَيْته أي صادفته واستقبلتهُ ، وقرىء إذا لاقَوْا { وَإِذَا خَلَوْاْ } من خلوتُ إلى فلان ، أي انفردت معه ، وقد يستعمل بالباء ، أو من خلا بمعنى مضىٰ ، ومنه القرونُ الخالية ، وقولُهم : خلاك ذمٌّ أي جاوزك ومضىٰ عنك ، وقد جُوّز كونُه من خلوتُ به إذا سخِرْتُ منه ، على أن تعديته بإلى في قوله تعالى : { إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ } لتضمُّنه معنى الإنهاء ، أي وإذا أَنهَوْا إليهم السخرية الخ . وأنت خبـير بأن تقيـيدَ قولهم المحكيّ بذلك الإنهاءِ مما لا وجهَ له ، والمرادُ بشياطينهم المماثلون منهم للشيطان في التمرد والعناد ، المظهرون لكفرهم ، وإضافتُهم إليهم للمشاركة في الكفر ، أو كبارُ المنافقين ، والقائلون صغارُهم ، وجعل سيبويهِ نونَ الشيطان تارةً أصلية فوزنُه فَيْعالٌ ، على أنه من شطَنَ إذا بعُدَ ، فإنه بعيدٌ من الخير والرحمة ، ويشهد له قولُهم تَشَيْطن ، وأخرى زائدة فوزنه فعلان ، على أنه من شاط أي هلك أو بطَل ، ومن أسمائه الباطل ، وقيل معناه هاج واحترق { قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ } أي في الدين والاعتقاد لا نفارقكم في حال من الأحوال ، وإنما خاطبوهم بالجملة الاسمية المؤكدة ، لأن مُدّعاهم عندهم تحقيقُ الثبات على ما كانوا عليه من الدين ، والتأكيدُ للإنباء عن صدق رغبتهم ، ووفورِ نشاطِهم ، لا لإنكار الشياطين ، بخلاف معاملتهم مع المؤمنين ، فإنهم إنما يدّعون عندهم إحداثَ الإيمان لجزمهم بعدم رواج ادعاء الكمال فيه أو الثبات عليه { إِنَّمَا نَحْنُ } أي في إظهار الإيمان عند المؤمنين { مُسْتَهْزِءونَ } بهم من غير أن يخطرُ ببالنا الإيمانُ حقيقةً ، وهو استئنافٌ مبني على سؤالٍ ناشىءٍ من ادعاء المعية كأنه قيل لهم عند قولهم إنا معكم فما بالُكم توافقون المؤمنين في الإتيان بكلمة الإيمان ، فقالوا : إنما نحن مستهزئون بهم فلا يقدح ذلك في كوننا معكم ، بل يؤكده وقد ضمِنوا جوابهم أنهم يُهينون المؤمنين ، ويُعدّون ذلك نُصرةً لدينهم . أو تأكيدٌ لما قبله ، فإن المستهزىء بالشيء مُصرٌّ على خلافه ، أو بدلٌ منه ، لأن مَنْ حَقّر الإسلامَ فقد عظّم الكفرَ ، والاستهزاءُ بالشيء السخرية منه ، يقال : هَزَأتُ واستهزأت بمعنى ، وأصله الخِفّة من الهُزء ، وهو القتل السريع ، وهزأ يهزأ مات على مكانه ، وتَهْزأُ به ناقتُه أي تُسرع به وتخِف