Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 41-44)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى } تذكيرٌ لقوله تعالى : { أَنَاْ ٱخْتَرْتُكَ } وتمهيدٌ لإرساله عليه السلام إلى فرعون مؤيّداً بأخيه حسبما استدعاه بعد تذكيرِ المِنن السابغةِ تأكيداً لوثوقه عليه السلام بحصول نظائرِها اللاحقة ، وهذا تمثيلٌ لما خوّله عز وعلا من الكرامة العظمى بتقريب الملِكِ بعضَ خواصّه واصطناعِه لنفسه وترشيحِه لبعض أمورِه الجليلة ، والعدولُ عن نون العظمة الواقعة في قوله تعالى : { وَفَتَنَّـٰكَ } ونظيرَيه السابقين تمهيدٌ لإفراد لفظِ النفسِ اللائقِ بالمقام فإنه أدخلُ في تحقيق معنى الاصطناعِ والاستخلاص ، أي اصطفيتُك برسالاتي وبكلامي وقوله تعالى : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ } أي وليذهبْ أخوك حسبما استدعيتَ ، استئنافٌ مَسوق لبـيان ما هو المقصودُ بالاصطناع { بِآيَـٰتِي } أي بمعجزاتي التي أرَيتُكَها من اليد والعصا فإنهما وإن كانتا اثنتين لكن في كل منهما آياتٌ شتى كما في قوله تعالى : { فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرٰهِيمَ } [ آل عمران : 97 ] فإن انقلاب العصا حيواناً آيةٌ ، وكونَها ثعباناً عظيماً لا يقادَر قدرُه آيةٌ آخرى ، وسرعةَ حركتِه مع عِظم جِرْمه آيةٌ أخرى ، وكونَه مع ذلك مسخراً له عليه السلام بحيث كان يُدخل يده في فمه فلا يضره آيةٌ أخرى ، ثم انقلابُها عصاً آيةٌ أخرى ، وكذلك اليدُ فإن بـياضها في نفسه آيةٌ وشعاعَها آيةٌ ، ثم رجوعُها إلى حالتها الأولى آيةٌ أخرى . والباء للمصاحبة لا للتعدية إذ المراد ذهابُهما إلى فرعون ملتبسين بالآيات متمسّكين بها في إجراء أحكامِ الرسالة وإكمالِ أمر الدعوة لا مجردُ إذهابِها وإيصالها إليه { وَلاَ تَنِيَا } لا تفتُرا ولا تقصّرا ، وقرىء لا تِنيا بكسر التاء للاتباع { فِى ذِكْرِى } أي بما يليق بـي من الصفات الجليلةِ والأفعال الجميلة عند تبليغِ رسالتي والدعاءِ إليّ ، وقيل : المعنى لا تنيا في تبليغ رسالتي فإن الذكرَ يقع على جميع العبادات وهو أجلُّها وأعظمُها ، وقيل : لا تنسَياني حيثما تقلبتما واستمِدّا بذكري العونَ والتأيـيدَ واعلما أن أمراً من الأمور لا يتأتى ولا يتسنّى إلا بذكري . { ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } جمعهما في صيغة أمر الحاضرِ مع غَيبة هارون إذ ذاك للتغليب ، وكذا الحالُ في صيغة النهي . روي أنه أوحي إلى هارونَ وهو بمصر أن يتلقّى موسى عليهما السلام ، وقيل : سمِع بإقباله فتلقاه { إِنَّهُ طَغَىٰ } تعليلٌ لموجب الأمر . والفاء في قوله تعالى : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً } لترتيب ما بعدها على طغيانه فإن تليـينَ القولِ مما يكسِر سَوْرةَ عنادِ العُتاة ويُلين عريكةَ الطغاة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تُعنّفا في قولكما ، وقيل : القولُ اللين مثل : { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبّكَ } [ النازعات : 18 ، 19 ] فإنها دعوةٌ في صورة عَرْض ومَشورة ، ويرده ما سيجيء من قوله تعالى : { فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } [ طه : 47 ] الآيتين ، وقيل : كنِّياه وكان له ثلاثُ كُنًى : أبو العباس وأبو الوليد وأبو مُرّة ، وقيل : عِداه شباباً لا يهرَم ويبقى له لذةُ المطعم والمشرب والمنكِح ومُلكاً لا يزول إلا بالموت ، وقرىء لَيْنا { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } بما بلغتُماه من ذكري ويرغب فيما رغّبتماه فيه { أَوْ يَخْشَىٰ } عقابـي ، ومحلُّ الجملة النصبُ على الحال من ضمير التثنية ، أي فقولا له قولاً ليناً راجين أن يتذكر أو يخشى ، وكلمةُ أو لمنع الخلوّ أي باشِرا الأمرَ مباشرةَ مَنْ يرجو ويطمع في أن يُثمر عملُه ولا يخيبَ سعيُه وهو يجتهد بطَوْقه ويحتشد بأقصى وُسْعه . وجدوىٰ إرسالِهما إليه مع العلم بحاله إلزامُ الحجة وقطعُ المعذرة .