Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 8-9)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا جَعَلْنَـٰهُمْ جَسَداً } بـيان لكون الرسل عليهم السلام أُسوةً لسائر أفراد الجنسِ في أحكام الطبـيعةِ البشرية إثرَ بـيانِ كونهم أسوةً في نفس البشرية ، والجسدُ جسمُ الإنسانِ والجنِّ والملائكة ، ونصبُه إما على أنه مفعولٌ ثانٍ للجعل لكن لا بمعنى جعلِه جسداً بعد أن لم يكن كذلك كما هو المشهورُ من معنى التصيـير ، بل بمعنى جعله كذلك ابتداءً على طريقة قولهم : سبحان من صغّر البعوضَ وكبر الفيل ، كما مر في قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءايَتَيْنِ } [ الإسراء : 12 ] وإما حالٌ من الضمير والجعلُ إبداعيٌّ وإفرادُه لإرادة الجنس المنتظمِ للكثير أيضاً ، وقيل : بتقدير المضافِ أي ذوي جسدٍ وقوله تعالى : { لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } صفةٌ له أي وما جعلناهم جسداً مستغنياً عن الأكل والشرب بل محتاجاً إلى ذلك لتحصيل بدَلِ ما يتحلل منه { وَمَا كَانُواْ خَـٰلِدِينَ } لأن مآلَ التحلّلِ هو الفناءُ لا محالة ، وفي إيثار ما كانوا على ما جعلناهم تنبـيهٌ على أن عدمَ الخلود مقتضي جِبِلّتِهم التي أشير إليها بقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَـٰهُمْ } الخ ، لا بالجعل المستأنَف والمرادُ بالخلود إما المكثُ المديدُ كما هو شأنُ الملائكة أو الأبدية وهم معتقدون أنهم لا يموتون ، والمعنى جعلناهم أجساداً متغذّيةً صائرةً إلى الموت بالآخرة على حسب آجالِهم لا ملائكةً ولا أجساداً مستغنيةً عن الأغذية مصونةً عن التحلل كالملائكة فلم يكن لها خلودٌ كخلودهم ، فالجملةُ مقرّرةٌ لما قبلها من كون الرسلِ السالفةِ عليهم السلام بشراً لا ملَكاً مع ما في ذلك من الرد على قولهم : ما لهذا الرسولِ يأكل الطعامَ . وقوله تعالى : { ثُمَّ صَدَقْنَـٰهُمُ ٱلْوَعْدَ } عطفٌ على ما يفهم من حكاية وحْيِه تعالى إليهم على الاستمرار التجدّدي كأنه قيل : أوحينا ثم صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم في تضاعيف الوحي بإهلاك أعدائِهم { فَأَنجَيْنَـٰهُمْ وَمَن نَّشَاء } من المؤمنين وغيرهم من تستدعي الحكمةُ إبقاءَه كمن سيؤمن هو أو بعضُ فروعِه بالآخرة ، وهو السرُّ في حماية العرب من عذاب الاستئصال { وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } أي المجاوزين للحدود في الكفر والمعاصي .