Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 162-164)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } أي سعىٰ في تحصيله وانتحىٰ نحوَه حيثما كان بفعل الطاعاتِ وتركِ المنكرات كالنبـي ومن يسير بسيرته { كَمَن بَاء } أي رجع { بِسَخْطٍ } عظيم لا يقادَرُ قدرُه كائنٍ { مِنَ ٱللَّهِ } تعالى بسبب معاصيه كالغالِّ ومن يَدين بدينه ، والمرادُ تأكيدُ نفي الغلولِ عن النبـي عليه الصلاة والسلام وتقريرُه بتحقيق المباينةِ الكليةِ بـينه وبـين الغالِّ حيث وُصف كلٌّ منهما بنقيض ما وُصف به الآخَرُ فقوبل رضوانُه تعالى بسَخَطه ، والاتِّباعُ بالبَوْء ، والجمع بـين الهمزةِ والفاءِ لتوجيه الإنكارِ إلى ترتب توهُّمِ المماثلةِ بـينهما والحُكمِ بها على ما ذُكر من حال الغالِّ كأنه قيل : أبعد ظهورِ حالِهِ يكونُ مَنْ ترقّى إلى أعلى عِلِّيـين كمَنْ ترَدَّى إلى أسفلِ سافلين ؟ وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موضع الإضمارِ لإدخال الرَّوْعةِ وتربـيةِ المهابة { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ } إما كلامٌ مستأنَفٌ مَسوقٌ لبـيان مآلِ أمْرِ مَنْ باء بسَخَطه تعالى ، وإما معطوفٌ على قوله تعالى باء بسخط عطفَ الصِلةِ الاسميةِ على الفعلية ، وأياً ما كان فلا محلَّ له من الإعراب { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } اعتراضٌ تذيـيليٌّ ، والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي وبئس المصيرُ جهنمُ ، والفرقُ بـينه وبـين المرجِعِ أو الأولَ يُعتبر فيه الرجوعُ على خلاف الحالةِ الأولى بخلاف الثاني . { هُمْ } راجعٌ إلى الموصولَين باعتبار المعنى { دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } أي طبقاتٌ متفاوتةٌ في علمه تعالى وحُكمِه ، شُبِّهوا في تفاوت الأحوالِ وتبايُنِها بالدرجات مبالغةً وإيذاناً بأن بـينهم تفاوتاً ذاتياً كالدرجات أو ذوو درجاتٍ { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } من الأعمال ودرجاتِها فيجازيهم بحسبها . { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ } جوابُ قسمٍ محذوفٍ أي والله لقد منّ الله أي أنعم { عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي من قومه عليه السلام { إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ } أي من نسبَهم أو من جنسهم عربـياً مثلَهم ليفقهوا كلامَه بسهولة ليكونوا واقفين على حاله في الصدق والأمانةِ مفتخرين به ، وفي ذلك شرف لهم عظيم ، قال الله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف ، الآية 44 ] وقرىء من أنفَسِهم أي أشرافهم فإنه عليه السلام كان من أشرف قبائلِ العربِ وبطونِها وقرىء لَمِنْ منِّ الله على المؤمنين إذ بعث الخ ، على أنه خبر لمبتدأ محذوفٍ أي منُّه إذ بعث الخ ، أو على أن إذ في محل الرفعِ على الابتداء بمعنى لمن منّ الله عليه من المؤمنين وقتُ بعثِه ، وتخصيصُهم بالامتنان مع عموم نعمةِ البعثةِ الأسود والأحمرِ لما مرّ من مزيد انتفاعِهم بها وقوله تعالى : { مّنْ أَنفُسِهِمْ } متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لرسولاً أي كائناً من أنفسهم وقوله تعالى : { يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ } صفةٌ أخرى أي يتلو عليهم القرآنَ بعد ما كانوا أهلَ جاهليةٍ لم يطرُق أسماعَهم شيءٌ من الوحي { وَيُزَكّيهِمْ } عطفٌ على يتلو أي يطهرهم من دنس الطبائعِ وسوءِ العقائدِ وأوضارِ الأوزار { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } أي القرآنَ والسنةَ وهو صفةٌ أخرى لرسولاً مترتبةٌ في الوجود على التلاوة ، وإنما وُسِّط بـينهما التزكيةُ التي هي عبارةٌ عن تكميل النفسِ بحسَب القوةِ العلميةِ وتهذيبِها المتفرِّعَ على تكميلها بحسَب القوةِ النظريةِ الحاصلِ بالتعليم المترتبِ على التلاوة ، للإيذان بأن كلَّ واحدٍ من الأمور المترتبةِ نعمةٌ جليلةٌ على حيالها مستوجِبةٌ للشكر فلو رُوعيَ ترتيبُ الوجودِ كما في قوله تعالى : { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ } [ البقرة ، الآية 129 ] لتبادر إلى الفهم عدُّ الجميعِ نعمةً واحدةً ، وهو السرُّ في التعبـير عن القرآن بالآياتِ تارةً وبالكتاب والحكمةِ [ تارةً ] أخرى رمزاً إلى أنه باعتبار كلِّ عنوانٍ نعمةٌ على حِدَة ، ولا يقدح في ذلك شمولُ الحكمةِ لما في مطاوي الأحاديثِ الكريمةِ من الشرائع كما سلف في سورة البقرة { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ } أي من قبلِ بعثتِه عليه السلام وتزليتِه وتعليمِه { لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي بـيِّن لا ريب في كونه ضلالاً وإن هي المخففةُ من الثقيلة ، وضميرُ الشأنِ محذوفٌ واللامُ فارقةٌ بـينها وبـين النافية ، والظرفُ الأولُ لغوٌ متعلقٌ بكان ، والثاني خبرُها وهي مع خبرها خبرٌ لأن المخففة التي حُذف اسمُها أعني ضميرَ الشأن ، وقيل : هي نافية واللامُ بمعنى إلا ، أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبـين ، وأياً ما كان فالجملةُ إما حالٌ من الضمير المنصوبِ في يعلمهم أو مستأنفةٌ ، وعلى التقديرين فهي مبـيِّنة لكمال النعمةِ وتمامِها .