Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 166-167)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا أَصَـٰبَكُمْ } رجوعٌ إلى خطاب المؤمنين إثرَ خطابِه عليه السلام بسر يقتضيه ، وإرشادٌ لهم إلى طريق الحقِّ فبما سألوا عنه وبـيانٌ لبعض ما فيه من الحِكَم والمصالحِ ودفعٌ لما عسى أن يُتوهمَ من قوله تعالى : { هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } من استقلالهم في وقوع الحادثةِ ، والعدولُ عن الإضمار إلى ما ذكر للتهويل وزيادةِ التقريرِ ببـيان وقتِه بقوله تعالى : { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } أي جمعُكم وجمعُ المشركين { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي فهو كائن بقضائه وتخليتِه الكفارَ ، سُمّيَ ذلك إذناً لكونها من لوازمه { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } عطفٌ على قوله تعالى : { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } عطفَ المسبَّب على السبب ، والمرادُ بالعلم التميـيزُ والإظهارُ فيما بـين الناسِ ، { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } عطف على ما قبله من مثله ، وإعادةُ الفعل لتشريف المؤمنين وتنزيهِهم عن الانتظام في سلك المنافقين وللإيذان باختلاف حالِ العلم بحسب التعلقِ بالفريقين فإنه متعلقٌ بالمؤمنين على نهج تعلقِه السابقِ وبالمنافقين على وجه جديدٍ ، وهو السرُّ في إيراد الأولِين بصيغة اسمِ الفاعلِ المنبئةِ عن الاستمرار والآخِرين بموصول صِلتُه فعلٌ دالٌ على الحدوث ، والمعنى وما أصابكم يومئذ فهو كائن لتميـيز الثابتين على الإيمان والذين أظهروا النفاقَ { وَقِيلَ لَهُمْ } عطفٌ على نافقوا داخلٌ معه في حيز الصلةِ أو كلامٌ مبتدأ . قال ابنُ عباس رضي الله عنهما : هم عبدُ اللَّه بنُ أُبـي وأصحابُه حيث انصرفوا يوم أحُدٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم عبدُ اللَّه بنُ عمرو بنِ حرامٍ : أذكِّرُكم الله لا تخذُلوا نبـيَّكم وقومَكم ودعاهم إلى القتال وذلك قوله تعالى : { تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ } قال السدي : ادفعوا عنا العدوَّ بتكثير سوادِنا إن لم تقاتلوا معنا ، وقيل : أو ادفعوا عن أهلكم وبلدِكم وحريمِكم إن لم تقاتلوا في سبـيل الله تعالى ، وتركُ العطفِ بـين تعالَوْا وقاتِلوا لما أن المقصودَ بهما واحد وهو الثاني ، وذِكْرُ الأولِ توطئةٌ له وترغيبٌ فيه لما فيه من الدَلالة على التظاهر والتعاون { قَالُواْ } استئنافٌ وقع جواباً عن سؤال ينسحب عليه الكلامُ كأنه قيل : فماذا صنعوا حين خُيِّروا بـين الخَصْلتين المذكورتين ؟ فقيل قالوا : { لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } أي لو نُحسِن قتالاً ونقدِر عليه . وإنما قالوه دغَلاً واستهزاءً ، وإنما عبّر عن نفي القدرة على القتال بنفي العِلم به لما أن القدرةَ على الأفعال الاختياريةِ مستلزِمةٌ للعلم بها ، أو لو نعلم ما يصِحُّ أن يسمَّى قِتالاً لاتبعناكم ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال أصلاً وإنما هو إلقاءُ النفسِ إلى التهلُكة . وفي جعلهم التالي مجردَ الاتباعِ دون القتالِ الذي هو المقصودُ بالدعوة دليلٌ على كمال تثبُّطِهم عن القتال حيث لا ترضى نفوسُهم بجعله تالياً لمقدَّم مستحيلِ الوقوعِ { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَـٰنِ } الضميرُ مبتدأٌ وأقربُ خبرُه واللامُ في للكفر وللإيمان متعلقةٌ به كذا يومئذٍ ومنهم ، وعدمُ جوازِ تعلقِ حرفين متّحدين لفظاً ومعنى بعامل واحدٍ بلا عطفٍ أو بدليةٍ إنَّما هو فيما عدا أفعلِ التفضيلِ من العوامل ، لاتحاد حيثيةِ عملِها ، وأما أفعلُ التفضيلُ فحيث دل على أصل الفعلِ وزيادتِه جرى مَجرى عاملين كأنه قيل : قُربُهم للكفر زائدٌ على قربهم للإيمان ، وقيل : تعلقُ الجارَّيْن به لشَبَهِهما بالظرفين ، أي هم للكفر يوم إذْ قالوا ما قالوا أقربُ منهم للإيمان فإنهم كانوا قبل ذلك يتظاهرون بالإيمان ، وما ظهرت منهم أَمارةٌ مُؤذِنةٌ بكفرهم فلما انخذلوا عن عسكر المسلمين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنونُ بهم واقتربوا من الكفر ، وقيل : هم لأهل الكفرِ أقربُ نُصرةً منهم لأهل الإيمانِ لأن تقليلَ سوادِ المسلمين بالانخذال تقويةٌ للمشركين وقوله تعالى : { يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } جملةٌ مستأنفةٌ مقرِّرةٌ لمضمون ما قبلها وذِكرُ الأفواهِ والقلوبِ تصويرٌ لنفاقهم وتوضيحٌ لمخالفة ظاهرِهم لباطنهم ، و { مَا } عبارةٌ عن القول ، والمرادُ به إما نفسُ الكلامِ الظاهرِ في اللسان تارةً وفي القلب أخرى ، فالمثبَتُ والمنفيُّ متحدان ذاتاً وإن اختلفا مظهراً ، وإما القولُ الملفوظُ فقط فالمنفيُّ حينئذٍ منشؤُه الذي لا ينفك عنه القولُ أصلاً وإنما عبّر عنه به إبانةً لما بـينهما من شدة الاتصالِ ، أي يتفوّهون بقول لا وجودَ له أو لِمَنشَئه في قلوبهم أصلاً من الأباطيل التي من جملتها ما حُكي عنهم آنفاً فإنهم أظهروا فيه أمرين ليس في قلوبهم شيءٌ منهما ، أحدُهما عدمُ العلمِ بالقتال والآخَرُ الاتباعُ على تقدير العِلمِ به ، وقد كذَبوا فيهما كذِباً بـيّناً حيث كانوا عالمين به غيرَ ناوين للاتّباع بل كانوا مُصِرِّين مع ذلك على الانخذال عازمين على الارتداد ، وقوله عز وجل : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } زيادةُ تحقيقٍ لكفرهم ونفاقِهم ببـيان اشتغالِ قلوبِهم بما يخالف أقوالَهم من فنون الشرِّ والفسادِ إثرَ بـيانِ خُلوِّها عما يوافقها ، وصيغةُ التفضيلِ لما أن بعضَ ما يكتُمونه من أحكام النفاقِ وذمِّ المؤمنين وتخطئةِ آرائِهم والشماتةِ بهم وغيرِ ذلك يعلمه المؤمنون على وجه الإجمال ، وأن تفاصيلَ ذلك وكيفياتِه مختصةٌ بالعلم الإلٰهي .