Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 196-198)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } بـيانٌ لقبح ما أوتي الكفرةُ من حظوظ الدنيا وكشفٌ عن حقارة شأنِها وسوءِ مَغَبَّتِها إثرَ بـيانِ حُسنِ ما أوتيَ المؤمنون من الثواب ، والخطابُ للنبـي صلى الله عليه وسلم على أن المرادَ تثبـيتهُ على ما هو عليه كقوله تعالى : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذّبِينَ } [ القلم ، الآية 8 ] أو على أن المرادَ نهيُ المؤمنين كما يُوجَّهُ الخطابُ إلى مَدارِهِ القومِ ورؤسائِهِم ، والمرادُ أفناؤهم ، ولكل أحد ممن يصلُح للخطاب من المؤمنين والنهيُ للمخاطب ، وإنما جُعل للتقلب مبالغةً أي لا تنظُر إلى ما عليه الكفرةُ من السعة ووفورِ الحظِّ ولا تغترَّ بظاهر ما ترى منهم من التبسّط في المكاسب والمتاجرِ والمزارع . روي أن بعضَ المؤمنين كانوا يرَوْن المشركين في رخاء ولين عيشٍ فيقولون إن أعداءَ اللَّهِ تعالى فيما نرى من الخير وقد هلَكْنا من الجوع والجهد فنزلت . وقرىء لا يغُرَّنك بالنون الخفيفة { مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ } خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي هو متاعٌ قليلٌ لا قدرَ له في جنب ما ذُكر من ثواب اللَّهِ تعالى قال عليه السلام : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعل أحدُكم أصبَعَه في اليمّ فلينظُر بم يرجِعُ " فإذن لا يُجدي وجودُه لواجديه ولا يضُرُّ فقدانُه لفاقديه { ثُمَّ مَأْوَاهُمْ } أي مصيرُهم الذي يأوون إليه لا يبرَحونه { جَهَنَّمُ } التي لا يوصف عذابُها وقوله تعالى : { وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } ذمٌّ لها وإيذانٌ بأن مصيرَهم إليها مما جنته أنفسُهم وكسبتْه أيديهم ، والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي بئس ما مَهدوا لأنفسهم جهنَّمُ { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } بـيانٌ لكمال حسنِ حالِ المؤمنين غِبَّ بـيانٍ وتكريرٌ له إثرَ تقرير مع زيادة خلودِهم في الجنَّاتِ ليتم بذلك سرورُهم ويزدادَ تبجُّحُهم ، ويتكاملَ به سوءُ حالِ الكفرةِ . وإيرادُ التقوى في حيز الصلةِ للإشعار بكون الخصالِ المذكورةِ من باب التقوى ، والمرادُ به الاتقاءُ من الشرك والمعاصي ، فالموصولُ مبتدأ والظرفُ خبرُه وجناتٌ مرتفعٌ به على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ ، أو الظرفُ خبرٌ لجناتٌ والجملةُ خبرٌ للموصول ، وخالدين فيها أي في الجنات حالٌ مقدرةٌ من الضمير أو من جناتٌ لتخصّصها بالوصف ، والعاملُ ما في الظرف من معنى الاستقرارِ { نُزُلاٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } وقرىء بسكون الزاي وهو ما يُعدّ للنازل من طعام وشرابٍ وغيرِهما قال أبو الشعر الضبـي : [ الطويل ] @ وكنا إذا الجبارُ بالجيش ضافنا جعلنا القَنا والمرهفاتِ له نُزْلا @@ وانتصابُه على الحالية من جناتٌ لتخصصها بالوصف ، والعاملُ فيه ما في الظرف من معنى الاستقرارِ ، وقيل هو مصدرٌ مؤكدٌ كأنه قيل رِزقاً أو عطاءً من عند الله { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ } مبتدأ وخبرٌ وقوله تعالى : { لّلأبْرَارِ } متعلقٌ بمحذوف هو صفةٌ لخيرٌ أي ما عنده تعالى من الأمور المذكورةِ الدائمةِ خيرٌ كائنٌ للأبرار ، أي مما يتقلب فيه الفجارُ من المتاع القليلِ الزائلِ ، والتعبـيرُ عنهم بالأبرار للإشعار بأن الصفاتِ المعدودَة من أعمال البرِّ كما أنها من قبـيل التقوى ، والجملةُ تذيـيل لما قبلها .