Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 46-47)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أي يكلمهم حال كونِه طفلاً وكهلاً كلام الأنبـياء من غير تفاوت ، والمهدُ مصدرٌ سُمِّي به ما يُمْهَد للصبـيِّ أي يُسوَّى من مضجعه وقيل : إنه رفع شاباً والمراد وكهلاً بعد نزوله وفي ذكر أحوالِه المختلفة المتنافيةِ إشارةٌ إلى أنه بمعزلٍ من الألوهية { وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } حالٌ أخرىٰ من كلمة معطوفة على الأحوال السالفة أو من الضمير في يكلم . { قَالَتْ } استئنافٌ مبنيٌّ على السؤال كأنه قيل : فماذا قالت مريمُ حين قالت لها الملائكةُ ما قالت ؟ فقيل : قالت متضرعةً إلى ربها : { رَبّ أَنَّىٰ يَكُونُ } أي كيف يكونُ أو من أين يكون { لِى وَلَدٌ } على وجه الاستبعاد العادي والتعجب واستعظامِ قدرةِ الله عز وجل وقيل : على وجه الاستفهامِ والاستفسارِ بأنه بالتزوج أو بغيره يكون الولدُ ، ويكون إما تامةٌ وأنى واللام متعلقتان بها ، وتأخيرُ الفاعل عن الجار والمجرور لما مر من الاعتناء بالمقدم والتشويقِ إلى المؤخر ، ويجوز أن تتعلق اللامُ بمحذوفٍ وقع حالاً من ولد إذ لو تأخرَ لكان صفة له ، وإما ناقصةٌ واسمُها ولد وخبرها إما أنى واللامُ متعلقةٌ بمضمر وقع حالاً كما مر ، أو خبر وأنىٰ نصبَ على الظرفية وقوله تعالى : { وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ } جملةٌ حالية محقّقةٌ للاستبعاد أي والحال أني على حالة منافيةٍ للولادة { قَالَ } استئنافٌ كما سلف والقائلُ هو الله تعالى أو جبريلُ عليه الصلاة والسلام { كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء } الكلامُ في إعرابه كما مر في قصة زكريا بعينه خلا أن إيراد { يَخْلُقُ } هٰهنا مكانَ يفعلُ هناك لما أن ولادةَ العذراءِ من غير أن يمسَّها بشرٌ أبدعُ وأغربُ من ولادة عجوزٍ عاقرٍ من شيخ فانٍ ، فكان الخلقُ المُنبىءُ عن الاختراع أنسبَ بهذا المقام من مطلق الفعل ، ولذلك عقّب ببـيان كيفيته فقيل : { إِذَا قَضَى أَمْرًا } من الأمور أي أراد شيئاً كما في قوله تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً } [ يس ، الآية 82 ] وأصلُ القضاءِ الأحكامُ أُطلق على الإرادة الإلٰهيةِ القطعيةِ المتعلقةِ بوجود الشيءِ لإيجابها إياه البتةَ ، وقيل : الأمرُ ومنه قوله تعالى : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ } { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ } لا غيرُ { فَيَكُونُ } من غير تريثٍ وهو كما ترى تمثيلٌ لكمال قدرته تعالى وسهولةِ حصولِ المقدوراتِ حسبما تقتضيه مشيئتُه وتصويرٌ لسرعة حدوثِها بما هو علم فيها من طاعة المأمورِ المطيعِ للآمرِ القويّ المطاعِ ، وبـيانٌ لأنه تعالى كما يقدِر على خلق الأشياءِ مُدرَجاً بأسباب وموادَّ معتادةٍ يقدِر على خلقها دفعةً من غير حاجة إلى شيء من الأسباب والمواد .