Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 82-84)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَمَنْ تَوَلَّىٰ } أي أعرض عما ذكر { بَعْدَ ذَلِكَ } الميثاقِ والتوكيدِ بالإقرار والشهادة ، فمعنى البُعد في اسم الإشارةِ لتفخيم الميثاق { فَأُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى مَنْ ، والجمعُ باعتبار المعنى كما أن الإفرادَ في تولىٰ باعتبار اللفظ ، وما فيه من معنى البُعد للدِلالة على ترامي أمرِهم في السوء وبُعد منزلتِهم في الشر والفساد أي فأولئك المُتولُّون المتّصفون بالصفات القبـيحةِ { هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } المتمرِّدون الخارجون عن الطاعة من الكَفَرة فإن الفاسقَ من كل طائفةٍ مَنْ كان متجاوزاً عن الحد . { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } عطفٌ على مقدّر أي أيتوَلَّوْن فيبغون غيرَ دينِ الله ؟ وتقديمُ المفعولِ لأنه المقصودُ إنكارُه ، أو على الجملة المتقدمةِ والهمزةُ متوسطةٌ بـينهما للإنكار وقرىء بتاء الخطاب على تقدير وقل لهم { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } جملةٌ حاليةٌ مفيدةٌ لوكادة الإنكار { طَوْعًا وَكَرْهًا } أي طائعين بالنظر واتباعِ الحجةِ وكارهين بالسيف ومعاينةِ ما يُلجىء إلى اللإسلام كنَتْق الجبلِ وإدراكِ الغرقِ والإشرافِ على الموت ، أو مختارين كالملائكة والمؤمنين ومسخَّرين كالكَفَرة فإنهم لا يقدِرون على الامتناع عما قُضيَ عليهم { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } أي مَنْ فيهما والجمعُ باعتبار المعنى ، وقرىء بتاء الخطاب ، والجملةُ إما معطوفةٌ على ما قبلها منصوبة على الحالية وإما مستأنفةٌ سيقت للتهديد والوعيد { قُلْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ } أمرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يُخبرَ عن نفسه ومَنْ معه من المؤمنين بالإيمان بما ذُكر ، وجمعُ الضمير في قوله تعالى : { وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا } وهو القرآنُ لما أنه منزلٌ عليهم أيضاً بتوسط تبليغِه إليهم أو لأن المنسوبَ إلى واحد من الجماعة قد يُنسَب إلى الكل ، أو عن نفسه فقط وهو الأنسبُ بما بعده والجمعُ لإظهار جلالةِ قدرِه عليه السلام ورفعةِ محلِّه بأمره بأن يتكلَّم عن نفسه على دَيْدَن الملوكِ ، ويجوز أن يكون الأمرُ عاماً ، والإفرادُ لتشريفه عليه السلام والإيذانِ بأنه عليه السلام أصلٌ في ذلك كما في قوله تعالى : { يـٰأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء } [ الطلاق ، الآية 1 ] ، { وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَــٰقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ } من الصحُف ، والنزولُ - كما يُعدّىٰ بإلى لانتهائه إلى الرسل - يعدّىٰ بعلى لأنه من فوق ، ومن رام الفرق بأن على لكون الخطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم وإلى لكون الخطاب للمؤمنين فقد تعسف ألا يُرى إلى قوله تعالى : { بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ } [ البقرة ، الآية 4 ] الخ وقوله : { آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ آل عمران ، الآية 72 ] الخ وإنما قدم المُنْزلُ على الرسول صلى الله عليه وسلم على ما أنزِل على سائر الرسل عليهم السلام مع تقدّمه عليه نزولاً لأنه المعروفُ له والعيار عليه . والأسباطُ جمع سِبْط وهو الحافد والمرادُ بهم حفَدَةُ يعقوبَ عليه السلام وأبناؤه الاثنا عشرَ وذراريهم فإنهم حفدةُ إبراهيمَ عليه السلام { وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } من التوراة والإنجيلِ وسائرِ المعجزاتِ الظاهرةِ بأيديهما كما يُنبىء عنه إيثارُ الإيتاءِ على الإنزال الخاصِّ بالكتاب ، وتخصيصُهما بالذكر لما أن الكلامَ مع اليهود والنصارى { وَٱلنَّبِيُّونَ } عطفٌ على موسى وعيسى عليهما السلام أي وما أوتي النبـيون من المذكورين وغيرِهم { مّن رَّبّهِمُ } من الكتب والمعجزات { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } كدأبِ اليهودِ والنصارى آمنوا ببعضٍ وكفروا ببعض ، بل نؤمن بصِحةِ نبوةِ كلَ منهم وبحقّية ما أُنزل إليهم في زمانهم ، وعدمُ التعرّضِ لنفي التفريق بـين الكتبِ لاستلزام المذكورِ إياه وقد مرّ تفصيلُه في تفسير قولِه تعالى : { لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ } [ البقرة ، الآية 285 ] وهمزة أحدٍ إما أصلية فهو اسمٌ موضوعٌ لمن يصلُح أن يخاطَبَ يستوي فيه المفردُ والمثنى والمجموعُ والمذكرُ والمؤنث ولذلك صح دخولُ بـين عليه كما في مثل المالُ بـين الناس ، وإما مُبدلةٌ من الواو فهو بمعنى واحد ، وعمومُه لوقوعه في حيز النفي ، وصِحةُ دخولِ { بَيْنَ } عليه باعتبار معطوفٍ قد حُذف لظهوره أي بـين أحدٍ منهم وغيرِه كما في قول النابغة : [ الطويل ] @ فما كان بـين الخيرِ إذ جاء سالماً أبو حَجَرٍ إلا ليالٍ قلائلُ @@ أي بـين الخير وبـيني { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي منقادون أو مخلصون أنفسَنا له تعالى لا نجعلُ له شريكاً فيها ، وفيه تعريضٌ بإيمان أهلِ الكتاب فإنه بمعزل من ذلك .