Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 71-73)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } الحِذْرُ والحذَرُ واحدٌ كالإثرْ والأثَرِ والشِبْهِ والشَّبَهِ أي تيقظوا واحترزوا من العدو ولا تُمْكِنوه من أنفسكم ، يقال : أخذ حِذْرَه إذا تيقظ واحترز من المَخُوف ، كأنه جعَلَ الحذَرَ آلتَه التي يقي بها نفسَه ، وقيل : هو ما يُحذر به من السلاح والحزمِ ، أي استعدوا للعدو { فَٱنفِرُواْ } بكسر الفاءِ وقرىء بضمها أي اخرُجوا إلى الجهاد عند خروجِكم { ثُبَاتٍ } جمعُ ثُبةٍ وهي الجماعةُ من الرجال فوق العشَرةِ ووزنها في الأصل فُعَلة كحُطَمة حُذفت لامُها وعوِّض عنها تاءُ التأنيثِ ، وهل هي واوٌ أو ياء ؟ فيه قولان ، قيل : إنها مشتقةٌ من ثبا يثبو كحلا يحلو أي اجتمعَ ، وقيل : من ثبَـيْتُ على الرجل إذا أثنيت عليه كأنك جمعتَ محاسنَه ويُجمع أيضاً على ثُبـينَ جبراً لما حُذف من عَجْزه ، ومحلُّها النصبُ على الحالية أي انفِروا جماعاتٍ متفرقةً سَرِيةً بعد سرية { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } أي مجتمعين كوكبةً واحدةً ولا تتخاذلوا فتُلقوا بأنفسكم إلى التهلُكة . { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ } أي ليتثاقَلَنّ وليتَخَلَّفَنَّ عن الجهاد من بطّأ بمعنى أبطأ كعتّم بمعنى أعتم ، والخطابُ لعسكر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كلِّهم المؤمنين منهم والمنافقين ، والمُبَطِّئون منافقوهم الذين تثاقلوا وتخلّفوا عن الجهاد ، أو ليبطِّئن غيرَه ويُثَبِّطَنه ، مِنْ بطَّأ منقولاً من بطُؤ كثقّل من ثقُل كما بطّأ ابنُ أُبـيَ ناساً يوم أُحُد . والأولُ أنسبُ لما بعده واللامُ الأولى للابتداء دخلت على اسم إنّ للفصل بالخبر ، والثانيةُ جوابُ قسمٍ محذوفٍ والقسمُ بجوابه صلةُ مَنْ والراجعُ إليه ما استكنّ في ليبطِّئنَّ ، والتقديرُ وإن منكم لمَنْ ــ أُقسم بالله ــ ليبطِّئن { فَإِنْ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } كقتل وهزيمة { قَالَ } أي المُبَطِّىءُ فرحاً بصنعه وحامداً لرأيه { قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَىَّ } أي بالقعود { إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } أي حاضراً في المعركة فيصيبني ما أصابهم والفاءُ في الشرطية لترتيب مضمونِها على ما قبلها ، فإن ذِكرَ التبطئةِ مستتبِعٌ لذكر ما يترتب عليها كما أن نفسَ التبطئةِ مستدعِيةٌ لشيء ينتظر المُبطىءُ وقوعَه { وَلَئِنْ أَصَـٰبَكُمْ فَضْلٌ } كفتح وغنيمة { مِنَ ٱللَّهِ } متعلقٌ بأصابكم أو بمحذوف وقع صفةً لفضلٌ أي فضلٌ كائنٌ من الله تعالى ، ونسبتُه إصابةِ الفضلِ إلى جناب الله تعالى دون إصابةِ المصيبةِ من العادات الشريفةِ التنزيليةِ كما في قوله سبحانه : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء ، الآية 80 ] وتقديمُ الشرطيةِ الأولى لِما أن مضمونَها لمقصِدهم أوفقُ وأَثرَ نفاقِهم فيها أظهرُ { لَّيَقُولَنَّ } ندامةً على تَنبُّطه وقعودِه وتهالُكاً على حُطام الدنيا وتحسُّراً على فواته ، وقرىء ليقولُنَّ بضم اللام إعادةً للضمير إلى معنى مَنْ وقوله تعالى : { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } اعتراضٌ وُسِّط بـين الفعلِ ومفعولِه الذي هو { يٰلَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } لئلا يُفهمَ من مطلع كلامِه أن تمنِّيَهُ لمعيّة المؤمنين لنُصرتهم ومظاهَرتِهم حسبما يقتضيه ما في البـين من المودة ، بل هو للحِرص على المال كما ينطِق به آخِرُه وليس إثباتُ المودةِ في البـين بطريق التحقيق بل بطريق التهكّمِ ، وقيل : الجملةُ التشبـيهيةُ حالٌ من ضمير ليقولَن أي ليقولَنّ مُشَبَّهاً بمَنْ لا مودةَ بـينكم وبـينه ، وقيل : هي داخلةٌ في المقول أي ليقولن المُثبِّط لمن يُثبِّطه من المنافقين وضَعَفة المؤمنين ــ كأن لم تكن بـينكم وبـين محمدٍ مودةٌ ــ حيث لم يستصحِبْكم في الغزو حتى تفوزوا بما فاز : يا ليتني كنتُ معهم ، وغرضُه إلقاءُ العداوةِ بـينهم وبـينه عليه الصلاة والسلام وتأكيدُها ، وكأنْ مخففةٌ من الثقيلة واسمُها ضميرُ الشأنِ وهو محذوفٌ ، وقرىء لم يكن بالياء والمنادىٰ في يا ليتني محذوفٌ أي يا قومُ ، وقيل : { يا } أُطلق للتنبـيه على الاتساع ، وقولُه تعالى : { فَأَفُوزَ } نُصب على جواب التمني ، وقرىء بالرفع على أنه خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ أي فأنا أفوزُ في ذلك الوقت أو على أنه معطوفٌ على كنت داخلٌ معه تحت التمني .