Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 85-86)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا } أي من ثوابها ، جملةٌ مستأنفةٌ سيقت لبـيان أن له عليه الصلاة والسلام فيما أُمر به من تحريض المؤمنين حظاً موفوراً ، فإن الشفاعةَ هي التوسُّطُ بالقول في وصول شخصٍ إلى منفعة من المنافع الدنيويةِ أو الأخروية ، أو خلاصِه من مضَرّة ما كذلك ، من الشفْع كأن المشفوعَ له كان فرداً فجعله الشفيعُ شَفْعاً ، والحسنةُ منها ما كانت في أمر مشروعٍ رُوعي بها حقُّ مسلمٍ ابتغاءً لوجه الله تعالى من غير أن يتضمَّن غرضاً من الأغراض الدنيويةِ ، وأيُّ منفعة أجلُّ مما قد حصل للمؤمنين بتحريضه عليه الصلاة والسلام على الجهاد من المنافع الدنيويةِ والأخرويةِ ؟ وأيُّ مضرةٍ أعظمُ مما تخلّصوا منه بذلك من التثبّط عنه ؟ ويندرج فيها الدعاءُ للمسلم فإنه شفاعةٌ إلى الله سبحانه وعليه مَساقُ آيةِ التحيةِ الآتية ، روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من دعا لأخيه المسلمِ بظهر الغيبِ استُجيب له وقال له المَلَكُ : ولك مثلُ ذلك " وهذا بـيانٌ لمقدار النصيبِ الموعود { وَمَن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً سَيّئَةً } وهي ما كانت بخلاف الحسنةِ { يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا } أي نصيب من وِزْرها مساوٍ لها في المقدار من غير أن يَنْقُصَ منه شيءٌ { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء مُّقِيتاً } أي مقتدراً ، من أقات على الشيء إذا اقتدر عليه أو شهيداً حفيظاً ، واشتقاقُه من القُوت ، فإنه يقوِّي البدَنَ ويحفَظُه ، والجملةُ تذيـيلٌ مقرِّرٌ لما قبلها على كلا المعنيـين . { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ } ترغيبٌ في فرد شائعٍ من أفراد الشفاعةِ الحسنةِ إثرَ ما رُغِّبَ فيها على الإطلاق وحُذِّر عما يقابلها من الشفاعة السيئةِ ، وإرشادٌ إلى توفية حقِّ الشفيعِ ، وكيفيةِ أدائِه ، فإن تحيةَ الإسلامِ من المسلم شفاعةٌ منه لأخيه إلى الله تعالى ، والتحيةُ مصدر حيَّا أصلُها تحْيِـيَةٌ ، كتسمية من سمَّى وأصلُ الأصلِ تَحْيِـيٌّ بثلاث ياءاتٍ فحُذفت الأخيرةُ وعُوِّضَ عنها تاءُ التأنيثِ وأُدغمت الأولى في الثانية بعد نقلِ حركتِها إلى الحاء . قال الراغبُ : أصلُ التحية الدعاءُ بالحياة وطولِها ثم استعملت في كل دعاءٍ ، وكانت العربُ إذا لقِيَ بعضُهم بعضاً يقول : حياك الله ، ثم استعملها الشرعُ في السلام وهي تحيةُ الإسلامِ ، وقال تعالى : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ } [ إبراهيم ، الآية 23 ] وقال : { فَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ النور ، الآية 61 ] قالوا : في السلام مزيةٌ على التحية لما أنه دعاءٌ بالسلامة من الآفات الدينيةِ والدنيويةِ ، وهي مستلزِمةٌ لطول الحياةِ وليس في الدعاء بطول الحياةِ ذلك ، ولأن السلامَ من أسمائه تعالى فالبَداءةُ بذكره مما لا ريبَ في فضله ومزّيتِه ، أي إذا سُلِّم عليكم من جهة المؤمنين { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا } أي بتحيةٍ أحسنَ منها بأن تقولوا : وعليكم السلامُ ورحمةُ الله إن اقتصر المُسلمُ على الأول وبأن تَزيدوا وبركاتُه إن جمعهما المسلمُ وهي النهايةُ لانتظامها لجميع فنونِ المطالبِ التي هي السلامةُ عن المضارِّ ونيلُ المنافعِ ودوامُها ونماؤُها . { أَوْ رُدُّوهَا } أي أجيبوها بمثلها . رُوي " أن رجالاً قال أحدُهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : السلامُ عليك ، فقال : " وعليك السلام ورحمةُ الله " ، وقال الآخرُ : السلامُ عليك ورحمةُ الله ، فقال : " وعليك السلامُ ورحمةُ الله وبركاتُه " ، وقال الآخرُ : السلامُ عليك ورحمةُ الله وبركاتُه ، فقال : " وعليك " فقال الرجل : نقصتَني فأين ما قال الله تعالى ؟ وتلا الآية ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إنك لم تترُكْ ليَ فضلاً فردَدْتُ عليك مثلَه " ، وجوابُ التسليم واجبٌ وإنما التخيـيرُ بـين الزيادةِ وتركِها ، وعن النخعيّ : أن السلامَ سنةٌ والردَّ فريضةٌ ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : « الردُّ واجبٌ وما من رجل يمُرُّ على قوم مسلمين فيسلّم عليهم ولا يردّون عليه إلا نزَع الله منهم روُحَ القُدسِ وردَّت عليه الملائكة » ولا يردّ في الخُطبة وتلاوةِ القرآنِ جهراً ، وروايةِ الحديثِ وعند دراسةِ العلمِ والآذانِ والإقامةِ ، ولا يسلّم على لاعب النرْدِ والشطرنج والمغنّي والقاعدِ لحاجته ومُطيِّرِ الحَمام والعاري في الحمّام وغيرِه ، قالوا : ويسلم الرجلُ على امرأته لا على الأجنبـية ، والسُّنةُ أن يسلِّم الماشي على القاعد والراكبُ على الماشي وراكبُ الفرسِ على راكب الحمارِ ، والصغيرُ على الكبـير والقليلُ على الكثير ، وإذا التَقَيا ابتدرا . وعن أبـي حنيفةَ رضي الله عنه لا يجهر بالرد يعني الجهرَ الكثيرَ ، وعن النبـي عليه الصلاة والسلام : " إذا سلَّم عليكُم أهلُ الكتابِ فقولوا : وعليكُم " أي وعليكم ما قلتم حيث كان يقول بعضُهم : السامُ عليكم . وروي ( لا تبدأ اليهوديَّ بالسلام وإذا بدأك فقل : وعليك ) ، وعن الحسن : أنه يجوز أن يقول للكافر وعليك السلامُ دون الزيادة ، وقيل : التحيةُ بالأحسن عند كونِ المسلِّمِ مسلماً وردُّ مثلِها عند كونِه كافراً . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَسِيباً } فيحاسبكم على كل شيءٍ من أعمالكم التي من جملتها ما أُمرتم به من التحية فحافِظوا على مراعاتها حسبما أُمرتم به .