Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 111-112)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيّينَ } عطف على ما قبله من أخواتها الواقعةِ ظروفاً للنعمة التي أُمر بذكرها ، وهي وإن كانت في الحقيقة عينُ ما يُفيده الجملُ التي أُضيفت إليها تلك الظروفُ من التأيـيد بروح القدس وتعليم الكتاب والحكمة وسائرِ الخوارق المعدودة ، لكنها لمغايَرَتها لها بعنوانٍ منْبىءٍ عن غاية الإحسان أُمر بذكرها من تلك الحيثية ، وجُعلت عاملةً في تلك الظروف لكفاية المغايَرَة الاعتبارية في تحقيق ما اعتُبر في مدلول كلمةِ ( إذ ) من تعدد النسبة ، فإنه ظرف موضوعٌ لزمان نسبتين ماضيتين واقعتين فيه إحداهما معلومةُ الوقوعِ فيه للمخاطَب دون الأخرى ، فيُراد إفادةُ وقوعها أيضاً له ، فيضاف إلى الجملة المفيدة للنسبة الأولى ، ويجعل ظرفاً معمولاً للنسبة الثانية ، ثم قد تكون المغايَرةُ بـين النسبتين بالذات كما في قولك : اذكُرْ إحساني إليك إذ أحسنتَ إليّ . تريد تنبـيهَ المخاطَب على وقوع إحسانه إليك وهما نسبتان متغايرتان بالذات ، وقد تكون بالاعتبار كما في قولك : اذكر إحساني إليك إذ منعتُك من المعصية ، تريد تنبـيهه على كون منعه منها إحساناً إليه لا على إحسانٍ آخرَ واقعٍ حينئذ ، ومن هذا القبـيل عامةُ ما وقع في التنزيل من قوله تعالى : { يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [ المائدة ، الآية 20 ] الآية ، وقولِه تعالى : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } [ المائدة ، الآية 11 ] إلى غير ذلك من النظائر . ومعنى إيحائه تعالى إليهم أمرُه تعالى إياهم في الإنجيل على لسانه عليه السلام . وقيل : إلهامُه تعالى إياهم كما في قوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ } [ القصص ، الآية 7 ] و ( أنْ ) في قوله تعالى : { أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي } مفسِّرة لما في الإيحاء من معنى القول ، وقيل : مصدرية ، وإيرادُه عليه السلام بعنوان الرسالة للتنبـيه على كيفية الإيمان به عليه السلام كأنه قيل : آمنوا بوحدانيتي في الألوهية والربوبـية وبرسالة رسولي ولا تُزيِّلوه عن حيِّزه حطّاً ولا رفعاً ، وقوله تعالى : { قَالُواْ } استئناف مبنيٌّ على سؤال نشأ من سَوْق الكلام كأنه قيل : فماذا قالوا حين أوحِيَ إليهم ذلك ؟ فقيل : قالوا : { آمنّا } أي بما ذُكر من وحدانيته تعالى وبرسالة رسولِه كما يُؤذِنُ به قولهم : { وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } أي مخلِصون في إيماننا ، من أسلم وجهَه لله ، وهذا القولُ منهم بمقتضىٰ وحيه تعالى وأمرِه لهم بذلك نعمةٌ جليلة كسائر النعم الفائضة عليه عليه الصلاة والسلام ، وكل ذلك نعمةٌ على والدته أيضاً . رُوي أنه عليه السلام لما علم أنه سيُؤمر بذكر هاتيك النعم العِظامِ جعل يلبَسُ الشَّعْرَ ويأكل الشجر ولا يدخر شيئاً لغد ، يقول : لكل يوم رزقُه ، لم يكن له بـيت فيخرَبَ ولا ولد فيموتَ ، أينما أمسى بات . { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } كلام مستأنفٌ مَسوقٌ لبـيان بعض ما جرى بـينه عليه السلام وبـين قومه ، منقطعٌ عما قبله كما ينبىء عنه الإظهارُ في موقع الإضمار و ( إذ ) منصوب بمُضمر خوطب به النبـي عليه الصلاة والسلام بطريق تلوين الخطاب والالتفات ، لكن لا لأن الخطاب السابقَ لعيسى عليه السلام فإنه ليس بخطاب وإنما هو حكايةُ خطاب ، بل لأن الخطابَ لمن خوطب بقوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [ المائدة ، الآية 108 ] الآية ، فتأمل ، كأنه قيل للنبـي صلى الله عليه وسلم عَقيبَ حكايةِ ما صدر عن الحواريـين من المقالة المعدودة من نعم الله تعالى الفائضة على عيسى عليه السلام : اذكُر للناس وقت قولهم الخ ، وقيل : هو ظرف لقالوا ، أريد به التنبـيهُ على أن ادعاءَهم الإيمانَ والإخلاصَ لم يكن عن تحقيقٍ وإيقان ، ولا يساعده النظم الكريم { يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } اختلف في أنهم هل كانوا مؤمنين أو لا ؟ فقيل : كانوا كافرين شاكّين في قدرة الله تعالى على ما ذَكَروا ، وفي صدْقِ عيسى عليه السلام ، كاذبـين في دعوى الإيمان والإخلاص ، وقيل : كانوا مؤمنين وسؤالُهم للاطمئنان والتثبّت لا لإزاحة الشك ، و ( هل يستطيع ) سؤال عن الفعل دون القدرة عليه تعبـيراً عنه بلازمه ، وقيل : الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة ، لا على ما تقتضيه القدرة ، وقيل : المعنى هل يطيع ربك ؟ بمعنى هل يجيبك ؟ واستطاع بمعنى أطاع كاستجاب بمعنى أجاب ، وقرىء ( هل تستطيعُ ربَّك ) أي سؤال ربك ، والمعنى هل تسأله ذلك من غير صارف يصرِفك عنه ؟ وهي قراءة علي وعائشةَ وابن عباس ومعاذٍ رضي الله عنهم ، وسعيدِ بن جبـير في آخرين ، والمائدة الخِوانُ الذي عليه الطعام ، من مادَه إذا أعطاه ورفدَه ، كأنها تَميدُ مَنْ تُقدَّم إليه ، ونظيرُه قولهم : شجرة مطعمة ، وقال أبو عبـيد : هي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية { قَالَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال ناشىءٍ مما قبله ، كأنه قيل : فماذا قال لهم عيسى عليه السلام حين قالوا ذلك ؟ فقيل : قال : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي من أمثال هذا السؤال { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي بكمال قدرته تعالى وبصِحّة نبوتي أو إن صَدَقتم في ادّعاء الإيمانِ والإسلام فإن ذلك مما يوجب التقوى والاجتناب عن أمثال هذه الاقتراحات وقيل أمرهم بالتقوى ليصير ذلك ذريعةً لحُصول المسؤول ، كقوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [ الطلاق ، الآية 2 ] وقولِه تعالى : { يَـاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُواْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } [ المائدة ، الآية 35 ] .