Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-116)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } معطوف على ( إذ قال الحواريون ) منصوب بما نَصَبه من المُضمر المخاطَبِ به النبـيُّ صلى الله عليه وسلم ، أو بمُضمر مستقلٍّ معطوفٍ على ذلك ، أي اذكُرْ للناس وقت قولِ الله عز وجل له عليه السلام في الآخرة توبـيخاً للكَفَرة وتبكيتاً لهم ، فإقرارُه عليه السلام على رؤوس الأشهاد بالعبودية ، وأمرُه لهم بعبادته عز وجل ، وصيغة الماضي لما مرّ من الدلالة على التحقّق والوقوع { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ } الاتخاذُ إما متعدٍّ إلى مفعولين ( فإلٰهين ) ثانيهما ، وإما إلى واحد فهو حال من المفعول ، وليس مدارُ أصل الكلامِ أن القول متيَقَّنٌ ، والاستفهامَ لتعيـين القائل كما هو المتبادَرُ من إيلاء الهمزةَ المُبتدأ على الاستعمال الفاشي ، وعليه قوله تعالى : { أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا } [ الأنبياء ، الآية 62 ] ونظائرُه ، بل على أن المتيقَّنَ هو الاتخاذُ والاستفهامُ لتعيـين أنه بأمره عليه السلام ، أو من تلقاء أنفسهم كما في قوله تعالى : { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَـؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } [ الفرقان ، الآية 17 ] وقوله تعالى : { مِن دُونِ ٱللَّهِ } متعلق بالاتخاذ ومحله النصب على أنه حال من فاعله ، أي متجاوزين الله ، أو بمحذوفٍ هو صفة لإلٰهين ، أي كائنيْن من دونه تعالى ، وأياً ما كان فالمرادُ اتخاذُهما بطريق إشراكهما به سبحانه كما في قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًا } [ البقرة ، الآية 165 ] وقولِه عز وجل : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ سورة يونس ، الآية 18 ] إلى قوله سبحانه وتعالى : { عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ سورة يونس ، الآية 18 ] إذْ به يتأتّى التوبـيخُ ويتسنّى التقريعُ والتبكيت . ومَنْ توهم أن ذلك بطريق الاستقلال ، ثم اعتذر عنه بأن النصارى يعتقدون أن المعجزاتِ التي ظهرت على يد عيسى ومريمَ عليهما الصلاة والسلام لم يخلُقْها الله تعالى ، بل هما خلقاها فصح أنهم اتخذوهما في حق بعض الأشياء إلٰهين مستقلَّيْن ، ولم يتخذوه تعالى إلٰهاً في حق ذلك البعض ، فقد أبعد عن الحق بمراحِلَ ، وأما من تعمق فقال : إن عبادته تعالى مع عبادة غيره كلا عبادةٍ ، فمن عبده تعالى مع عبادتهما كأنه عبدهما ، ومن لم يعبُده تعالى فقد غفَل عما يُجْديه واشتغل بما لا يَعْنيه كدأب مَنْ قبلة ، فإن توبـيخهم إنما يحصُل بما يعتقدونه ويعترفون به صريحاً ، لا بما يلزَمُه بضربٍ من التأويل ، وإظهارُ الاسم الجليل لكونه في حيِّز القولِ المُسند إلى عيسى عليه السلام . { قَالَ } استئناف مبنيٌّ على سؤال نشأ من صدر الكلام كأنه قيل : فماذا يقول عيسى عليه السلام حينئذ ؟ فقيل : يقول ، وإيثارُ صيغة الماضي لما مرّ مراراً { سُبْحَـٰنَكَ } ( سبحان ) عَلمٌ للتسبـيح ، وانتصابُه على المصدرية ، ولا يكاد يُذْكر ناصبُه ، وفيه من المبالغة في التنزيه من حيث الاشتقاق ، من السَّبْح الذي هو الذهاب والإبعادُ في الأرض ، ومن جهة النقل إلى صيغة التفعيل ، ومن جهة العدولِ من المصدر إلى الاسم الموضوع له خاصةً ، المشيرِ إلى الحقيقة الحاضرة في الذهن ، ومن جهة إقامته مُقام المصدر مع الفعل ما لا يخفى ، أي أنزهك تنزيهاً لائقاً بك من أن أقول ذلك أو من أن يقالَ في حقك ذلك ، وأما تقديرُ من أن يكونَ لك شريكٌ في الألوهية فلا يساعده سِياقُ النظم الكريم وسياقُه ، وقوله تعالى : { مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ } استئنافٌ مقرِّر للتنزيه ومبـين للمُنَزَّه منه ، و ( ما ) عبارة عن القول المذكور ، أي ما يستقيم وما ينبغي لي أن أقول قولاً لا يحِقّ لي أن أقوله ، وإيثارُ ليس على الفعل المنفيِّ لظهور دلالتِه على استمرار انتفاءِ الحقية وإفادةِ التأكيد بما في حيزه من الباء ، فإن اسمه ضميرُه العائد إلى ( ما ) ، وخبرَه ( بحق ) والجار والمجرور فيما بـينهما للتبـيـين كما في سُقياً لك أو نحوه . وقوله تعالى : { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } استئناف مقرِّرٌ لعدم صدور القولِ المذكور عنه عليه السلام بالطريق البرهاني ، فإن صدورَه عنه مستلزِمٌ لعلمه تعالى به قطعاً ، فحيثُ انتفى علمُه تعالى به انتفى صدورُه عنه حتماً ضرورةَ أن عدمَ اللازم مستلزِمٌ لعدم الملزوم { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى } استئنافٌ جارٍ مجرى التعليل لما قبله كأنه قيل : لأنك تعلم ما أُخفيه في نفسي ، فكيف بما أُعلنُه ؟ وقوله تعالى : { وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } بـيانٌ للواقع وإظهارٌ لقصوره ، أي ولا أعلم ما تُخفيه من معلوماتك ، وقوله : { فِى نَفْسِكَ } للمشاكلة . وقيل : المرادُ بالنفس هو الذاتُ ، ونسبةُ المعلومات إليها لما أنها مرجعُ الصفات التي من جملتها العلمُ المتعلِّقُ بها ، فلم يكن كنسبتها إلى الحقيقة . وقوله تعالى : { إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } تعليلٌ لمضمون الجملتين منطوقاً ومفهوماً .