Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 1-1)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
( سورة المائدة مدنية وهي مائة وعشرون آية ) { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } { يَٰـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } الوفاءُ القيامُ بموجَبِ العَقْد ، وكذا الإيفاء ، والعقد هو العهدُ الموَثَّقُ المشبَّه بعقد الحبل ونحوه ، والمراد بالعقود ما يعمّ جميعَ ما ألزمه الله تعالى عبادَه وعقَده عليهم من التكاليف والأحكام الدينية وما يعقِدونه فيما بـينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها ، مما يجب الوفاء به ، أو يحسنُ دِيناً بأن يُحمل الأمرُ على معنىً يعمّ الوجوبَ والندبَ . أُمرَ بذلك أولاً على وجه الإجمال ، ثم شُرِعَ في تفصيلِ الأحكام التي أمر بالإيفاء بها وبُدىء بما يتعلّق بضروريات مَعايشِهم فقيل : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } البهيمةُ كلُّ ذات أربع ، وإضافتُها إلى الأنعام للبـيان كثوب الخزّ ، وإفرادُها لإرادة الجنس ، أي أحِلّ لكم أكلُ البهيمة من الأنعام ، وهي الأزواجُ الثمانية المعدودة في سورة الأنعام ، وأُلحِق بها الظباءُ وبقَرُ الوَحْش ونحوُهما ، وقيل : هي المرادة بالبهيمة هٰهنا لتقدّم بـيان حِلِّ الأنعام ، والإضافةُ لما بـينهما من المشابهة والمماثلة في الاجترار وعدم الأنياب ، وفائدتُها الإشعارُ بعِلة الحكم المشتركة بـين المضافَيْن ، كأنه قيل : أُحلت لكم البهيمةُ الشبـيهة بالأنعام التي بَـيَّن إحلالَها فيما سبق ، المماثِلةُ لها في مَناطِ الحُكم . وتقديم الجارّ والمجرور على القائم مَقام الفاعل لما مر مراراً من إظهار العناية بالمقدَّم ، لما فيه من تعجيل المسرَّة والتشويق إلى المؤخَّر ، فإن ما حقُّه التقديمُ إذا أُخِّر تبقى النفسُ مترقِّبةً إلى وروده ، فيتمكّن عندها فضلُ تمكّن . { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } استثناء من ( بهيمةُ ) أي إلا مُحرَّمَ ما يتلى عليكم من قوله تعالى : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } ونحوَه ، أو إلا ما يُتلى عليكم آيةُ تحريمه . { غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ } أي الاصطيادِ في البَرّ أو أكلِ صيده ، وهو نصبٌ على الحالية من ضمير لكم ، ومعنى عدمِ إحلالِهم له تقريرُ حرمته عملاً واعتقاداً ، وهو شائع في الكتاب والسنة ، وقوله تعالى : { وَأَنتُمْ حُرُمٌ } أي مُحرمون ، حال من الضمير في مُحِلِّي ، وفائدةُ تقيـيد إحلالِ بهيمةِ الأنعام بما ذُكر من عدم إحلالِ الصيد حالَ الإحرام على تقدير كونِ المراد بها الظباءَ ونظائرَها ظاهرةٌ ، لما أن إحلالها غيرُ مُطلق ، كأنه قيل : أحل لكم الصيدُ حالَ كونِكم ممتنعين عنه عند إحرامكم . وأما على التقدير الأول ففائدته إتمامُ النعمة وإظهارُ الامتنان بإحلالها بتذكير احتياجهم إليه ، فإن حرمةَ الصيد في حالة الإحرام من مظانِّ حاجتهم إلى إحلال غيرِه حينئذ ، كأنه قيل : أحلت لكم الأنعام مطلقاً حالَ كونكم ممتنِعين عن تحصيل ما يُغنيكم عنها في بعض الأوقات محتاجين إلى إحلالها . وفي إسناد عدم الإحلال إليهم بالمعنى المذكور مع حصول المراد بأن يقال : غيرُ محلَّلٍ لكم ، أو محرماً عليكم الصيدُ حال إحرامكم مزيدُ تربـيةٍ للامتنان ، وتقرير للحاجة ببـيان علتها القريبة ، فإن تحريم الصيد عليهم إنما يوجب حاجتهم إلى إحلال ما يغنيهم عنه باعتبار تحريمهم له عملاً واعتقاداً ، مع ما في ذلك من وصفهم بما هو اللائق بهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } من الأحكام حسبما تقتضيه مشيئتُه المبْنيةُ على الحِكَم البالغة ، فيدخل فيها ما ذُكر من التحليل والتحريم دخولاً أولياً ، ومعنى الإيفاء بهما الجرَيانُ على موجبهما عقداً وعملاً ، والاجتنابُ عن تحليل المحرمات وتحريم بعضِ المحلَّلاتِ كالبَحيرة ونظائرِها التي سيأتي بـيانها .