Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 30-31)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } أي وسَّعَتْه وسهّلته ، من طاعَ له المرتَعُ إذا اتسع ، وترتيبُ التطويع على ما حُكي من مقالات هابـيلَ مع تحققه قبلها أيضاً كما يُفصح عنه قولُه : { لأقْتُلَنَّكَ } لِما أن بقاءَ الفعل بعد تقرّر ما يُزيله من الدواعي القوية وإن كان استمراراً عليه بحسَب الظاهر ، لكنه في الحقيقة أمرٌ حادث وصُنع جديد ، كما في قولك : وعظتُه فلم يتَّعظ ، أو لأن هذه المرتبةَ من التطويع لم تكن حاصلةً قبلَ ذلك بناءً على تردُّده في قُدرته على القتل ، لما أنه كان أقوى منه . وإنما حصلت بعد وقوفه على استسلام هابـيلَ وعدم معارضتِه له ، والتصريحُ بأُخوَّته لكمال تقبـيحِ ما سوَّلته نفسُه . وقرىء ( فطاوعت ) على أنه فاعَلَ بمعنى فعل ، أو على أن قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع ، و ( له ) لزيادة الربطِ كقولك : حفظتُ لزيد مالَه { فَقَتَلَهُ } قيل : ( لم يدر قابـيلُ كيف يقتل هابـيلَ ، فتمثل إبليسُ وأخذ طائراً ووضع رأسه على حجر ثم شدَخها بحجر آخرَ فتعلّم منه فرضخَ رأسَ هابـيلَ بـين حجرين وهو مستسلم لا يستعصي عليه ) ، وقيل : اغتالَه وهو نائم ، وكان لهابـيلَ يوم قُتل عشرون سنة واختلف في موضِع قتلِه ، فقيل : عند عقبةِ حِراء ، وقيل : بالبصرة في موضع المسجدِ الأعظم ، وقيل : في جبل بود ، ولما قتله تركه بالعَراء لا يدري ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله في جِراب على ظهره أربعين يوماً ، وقيل : سنة ، حتى أروح وعكفت عليه الطيور والسباع تنظر متى يرمي به فتأكلَه { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } ديناً ودنيا . { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْأَةَ أَخِيهِ } روي ( أنه تعالى بعث غرابـين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخرَ فحفر له بمنقاره ورجليه حُفرة فألقاه فيها ) ، والمستكنُّ في ( يريَه ) لله تعالى أو للغراب ، واللام على الأول متعلقة ببعَثَ حتماً ، وعلى الثاني بـيبحث ، ويجوز تعلُّقها ببعث أيضاً و ( كيف ) حال من ضمير ( يُواري ) والجملةُ ثاني مفعولي يُري ، والمرادُ بسَوْءة أخيه جسدُه الميْتُ { قَالَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من سوق الكلامِ كأنه قيل : فماذا قال عند مشاهدةِ حال الغراب ؟ فقيل : قال : { يا ويلتىٰ } هي كلمةُ جَزَعٍ وتحسّرٍ والألفُ بدلٌ من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتي احضُري فهذا أوانك ، والويلُ والويلةُ الهلَكة { أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ } أي عن أن أكون { مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِى } تعجبٌ من عدم اهتدائِه إلى ما اهتدىٰ إليه الغرابُ ، وقولُه تعالى : { فَأُوَارِيَ } بالنصب عطفٌ على أن أكون ، وقرىء بالرفع أي فأنا أواري { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ } أي على قتله لِما كابد فيه من التحيّر في أمره وحملِه على رقبته مدةً طويلة . روي أنه لما قتله اسودّ جسدُه وكان أبـيضَ ، فسأله آدمُ عن أخيه فقال : ما كنت عليه وكيلاً ، قال : بل قتلتَه ولذلك اسود جسدُك ، ومكث آدمُ بعده مائةَ سنةٍ لا يضحك ، وقيل : لما قتل قابـيلُ هابـيلَ هرب إلى عدن من أرض اليمن ، فأتاه إبليسُ فقال له : إنما أكلت النارُ قربانَ هابـيلَ لأنه كان يخدُمها ويعبُدها ، فإن عبدتَها أيضاً حصل مقصودُك ، فبنى بـيتَ نارٍ فعبدها وهو أولُ مَنْ عبد النار .