Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 129-130)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكَذٰلِكَ } أي مثلَ ما سبق من تمكين الجنِّ من إغواء الإنسِ وإضلالِهم { نُوَلّى بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } من الإنس { بَعْضًا } آخرَ منهم أي نجعلهم بحيث يتولَّوْنهم بالإغواء والإضلالِ أو نجعل بعضَهم قرناءَ بعضٍ في العذاب كما كانوا كذلك في الدنيا عند اقترافِ ما يؤدّي إليه من القبائح { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } بسبب ما كانوا مستمرِّين على كسبه من الكفر والمعاصي . { يَا مَعْشَرَ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسِ } شروعٌ في حكاية ما سيكون من توبـيخ المعشَرَين وتقريعِهم بتفريطهم فيما يتعلق بخاصة أنفسِهم إثرَ حكايةِ توبـيخِ معشر الجنِّ بإغواء الإنسِ وإضلالِهم وبـيانِ مآلِ أمرِهم { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أي في الدنيا { رُسُلُ } أي من عند الله عز وجل لكن لا على أن يأتيَ كلُّ رسولٍ كلَّ واحدة من الأمم ، بل على أن يأتي كلَّ أمة رسولٌ خاصٌّ بها ، أي ألم يأتِ كلَّ أمة منكم رسولٌ معين ؟ وقوله تعالى : { مّنكُمْ } متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لرسل أي كائنةٌ من جملتكم لكن لا على أنهم من جنس الفريقين معاً بل من الإنس خاصةً ، وإنما جُعلوا منهما إما لتأكيد وجوبِ اتباعِهم والإيذانِ بتقاربهما ذاتاً واتحادِهما تكليفاً وخطاباً ، كأنّهما جنسٌ واحد ، ولذلك تمكن أحدُهما من إضلال الآخَر ، وإما لأن المرادَ بالرسل ما يعمُّ رسلَ الرسلِ وقد ثبت أن الجن قد استمعوا القرآن وأنذروا به قومَهم حيث نطق به قوله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ ٱلْجِنّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْءانَ } [ الأحقاف ، الآية 29 ] إلى قوله تعالى : { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [ الأحقاف ، الآية 29 ] . وقوله تعالى : { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِى } صفةٌ أخرى لرسلٌ محققةٌ لما هو المرادُ من إرسال الرسل من التبليغ والإنذارِ ، وقد حصل ذلك بالنسبة إلى الثقلين { وَيُنذِرُونَكُمْ } بما في تضاعيفها من القوارع { لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } يومِ الحشرِ الذي قد عاينوا فيه ما أُعدَّ لهم من أفانين العقوباتِ الهائلة { قَالُواْ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام السابقِ كأنه قيل : فماذا قالوا عند ذلك التوبـيخِ الشديد ؟ فقيل : قالوا : { شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } أي بإتيان الرسلِ وإنذارِهم وبمقابلتهم إياهم بالكفر والتكذيب وباستحقاقهم بسبب ذلك للعذاب المخلّد حسبما فُصِّل في حكاية جوابِهم عن سؤال خَزَنةِ النار ، حيث قالوا : { بَلَىٰ قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَىْء إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ كَبِيرٍ } [ الملك ، الآية 9 ] وقد أُجمل هٰهنا في الحكاية كما أُجمل في حكاية جوابِهم حيث قالوا : { بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } [ الزمر ، الآية 71 ] وقوله تعالى : { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } مع ما عُطف عليه اعتراضٌ لبـيان ما أداهم في الدنيا إلى ارتكابهم للقبائح التي ارتكبوها وإلجائِهم بعد ذلك في الآخرة إلى الاعتراف بالكفر واستيجاب العذابِ ، وذمٌّ لهم بذلك ، أي واغتروا في الدنيا بالحياة الدنيئةِ واللذات الخسيسةِ الفانية وأعرضوا عن النعيم المقيم الذي بشرت به الرسلُ ، واجترأوا على ارتكاب ما يجُرّهم إلى العذاب المؤبَّد الذي أنذروهم إياه { وَشَهِدُواْ } في الآخرة { عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ } في الدنيا { كَـٰفِرِينَ } أي بالآيات والنذر التي أتى بها الرسلُ على التفصيل المذكور آنفاً واضطُرّوا إلى الاستسلام لأشد العذابِ كما ينبىء عنه ما حُكي عنهم بقوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك ، الآية 10 ] وفيه من تحسيرهم وتحذيرِ السامعين عن مثل صنيعِهم ما لا مزيد عليه .