Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 76-76)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ } على الأول وهو الحق المبـين عطفٌ على ( قال إبراهيم ) داخلٌ تحت ما أُمر بذكره بالأمرِ بذكرِ وقتِه ، وما بـينهما اعتراضٌ مقرِّرٌ لما سبق وما لحِق ، فإن تعريفَه عليه السلام ربوبـيتَه ومالكيتَه للسمواتِ والأرض وما فيهما وكونَ الكلِّ مقهوراً تحت ملكوتِه مفتقِراً إليه في الوجود وسائرَ ما يترتبُ عليه من الكمالات ، وكونَه من الراسخين في معرفة شؤونه تعالى ، الواصلين إلى ذُروة عينِ اليقين مما يقضي بأن يَحكُم عليه السلام باستحالة إلٰهيةِ ما سواه سبحانه من الأصنام والكواكب ، وعلى الثاني هو تفصيلٌ لما ذُكر من إراءةِ ملكوتِ السموات والأرض ، وبـيانٌ لكيفية استدلالِه عليه السلام ، ووصولِه إلى رتبة الإيقان ، ومعنى ( جَنّ عليه الليلُ ) ستره بظلامه ، وقوله تعالى : { رَأَى كَوْكَباً } جوابُ لمّا ، فإن رؤيتَه إنما تتحقق بزوال نورِ الشمس عن الحسّ ، وهذا صريحٌ في أنه لم يكن في ابتداءِ الطلوع بل كان غَيبتُه عن الحس بطريق الاضمحلال بنور الشمس ، والتحقيقُ أنه كان قريباً من الغروب كما ستعرفه ، قيل : كان ذلك الكوكبُ هو الزُّهُرَة ، وقيل : هو المشتري . وقوله تعالى : { قَالَ هَـٰذَا رَبّى } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من ( الجملة ) الشرطيةِ السابقةِ المتفرعة على بـيان إراءتِه عليه السلام ملكوتَ السمواتِ والأرض فإن ذلك مما يحمِلُ السامعَ على استكشاف ما ظهرَ منه عليه السلام من آثار تلك الإراءةِ وأحكامِها ، كأنه قيل : فماذا صنعَ عليه السلام حين رأى الكوكب ؟ فقيل : قال على سبـيل الوضْع والفرضِ : هذا ربـي مجاراةً مع أبـيه وقومِه الذين كانوا يعبُدون الأصنامَ والكواكب ، فإن المستدِلَّ على فساد قولٍ يحكيه على رأي خصمِه ، ثم يَكُرُّ عليه بالإبطال ، ولعل سلوكَ هذه الطريقة في بـيان استحالةِ ربوبـيةِ الكواكب دون بـيانِ استحالةِ إلٰهيةِ الأصنام لما أن هذا أخفىٰ بُطلاناً واستحالةً من الأول ، فلو صدَعَ بالحق من أول الأمرِ كما فعله في حقّ عبادةِ الأصنام لتمادَوْا في المكابرة والعِناد ، ولجُّوا في طُغيانهم يعمَهون . وقيل : قاله عليه السلام على وجه النظر والاستدلال ، وكان ذلك في زمان مراهقتِه وأولِ أوانِ بلوغه ، وهو مبنيٌّ على تفسير الملكوتِ بآياتهما ، وعَطْفِ قوله تعالى : { لِيَكُونَ } على ما ذُكر من العلة المقدرة ، وجَعْلِ قوله تعالى : { فَلَمَّا جَنَّ } الخ ، تفصيلاً لما ذُكر من الإراءة وبـياناً لكيفية الاستدلال ، وأنت خبـير بأن كلَّ ذلك مما يُخِلُّ بجزالة النظمِ الجليل ، وجلالةِ منصِبِ الخليلِ عليه الصلاة والسلام . { فَلَمَّا أَفَلَ } أي غرٍب { قَالَ لا أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } أي الأرباب المنتقلين من مكان إلى مكان ، المتغيرين من حال إلى حال ، المحتجبـين بالأستار ، فإنهم بمعزل من استحقاق الربوبـيةِ قطعاً .