Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 199-201)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ خُذِ ٱلْعَفْوَ } بعد ما عُدّ من أباطيلِ المشركين وقبائحِهم ما لا يطاق تحمُّله أُمر عليه الصلاة والسلام بمجامع مكارمِ الأخلاق التي من جملتها الإغضاءُ عنهم ، أي خذْ ما عفا لك من أفعال الناسِ وتسهل ولا تكلِّفْهم ما يشُقُّ عليهم ، من العفو الذي هو ضدُّ الجَهدِ ، أو خذ العفوَ من المذنبـين أو الفضلَ من صدقاتهم وذلك قبل وجوبِ الزكاة { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } بالجميل المستحسَن من الأفعال فإنها قريبةٌ من قَبول الناس من غير نكير { وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ } من غير مماراةٍ ولا مكافأة ، قيل : ( لما نزلت سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام فقال : لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال : يا محمدُ إن ربك أمرك أن تصِل مَنْ قطعك وتعطيَ من حَرَمك وتعفُوَ عمّن ظلمك ) وعن جعفرٍ الصادقِ : أمر الله تعالى نبـيَّه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق ، وروي أنه لما نزلت الآيةُ الكريمةُ قال عليه الصلاة والسلام : " كيف يا ربّ والغضبُ متحقق ؟ " فنزل قوله تعالى : { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ } النزغُ والنسْغُ والنخْسُ : الغرزُ شُبّهت وسوستُه للناس وإغراؤه لهم على المعاصي بغَرْز السائق لما يسوقه ، وإسنادُه إلى النزغ من قَبـيل جَدّ جِدُّه أي وإما يحمِلنّك من جهته وسوسةٌ ما على خلاف ما أُمرتَ به من اعتراء غضبٍ أو نحوه { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } فالتجِىءْ إليه تعالى من شره { إِنَّهُ سَمِيعٌ } يسمع استعاذتَك به قولاً { عَلِيمٌ } يعلم تضرُّعَك إليه قلباً في ضمن القولِ أو بدونه فيعصمُك من شره . وقد جُوّز أن يرادَ بنزغ الشيطانِ اعتراءُ الغضبِ على نهج الاستعارة كما في قول الصديقِ رضي الله عنه : إن لي شيطاناً يعتريني . ففيه زيادةُ تنفيرٍ عنه وفرطُ تحذيرٍ عن العمل بموجبه ، وفي الأمر بالاستعاذة بالله تعالى تهويلٌ لأمره وتنبـيهٌ على أنه من الغوائل الصعبةِ التي لا يُتخَلّص من مَضَرَّتها إلا بالالتجاء إلى حُرَم عصمتِه عز وجل ، وقيل : يعلم ما فيه صلاحُ أمرِك فيحملك عليه ، أو سميعٌ بأقوال مَنْ آذاك عليمٌ بأفعاله فيجازيه عليها . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } استئنافٌ مقررٌ لما قبله ببـيان أن ما أمر به عليه الصلاة والسلام من الاستعاذة بالله تعالى سنةٌ مسلوكةٌ للمتقين والإخلالُ بها ديدنُ الغاوين ، أي إن الذين اتصفوا بوقاية أنفسِهم عما يضُرّها { إِذَا مَسَّهُمْ طَـئِفٌ مّنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أدنىٰ لمّةٍ منه ، على أن تنوينَه للتحقير وهو اسمُ فاعلِ يطوف ، كأنها تطوف بهم وتدور حولهم لتوقِعَ بهم ، أو من طاف به الخيالُ يطيفُ طيفاً أي ألمَّ وقرىء طيفٌ على أنه مصدر ، أو تخفيفٌ من طيِّف من الواوي أو اليائي كهيّن وليّن ، والمرادُ الشيطان الجنسُ ولذلك جُمع ضميرُه فيما سيأتي { تَذَكَّرُواْ } أي الاستعاذةَ به تعالى والتوكلَ عليه { فَإِذَا هُم } بسبب ذلك التذكّرِ { مُّبْصِرُونَ } مواقِعَ الخطأ ومكايدَ الشيطانِ فيحترزون عنها ولا يتبعونه .