Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 113-114)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بالله وحده ، أي ما صح لهم في حكم الله عز وجل وحكمتِه وما استقام { أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } به سبحانه { وَلَوْ كَانُواْ } أي المشركين { أُوْلِى قُرْبَىٰ } أي ذوي قرابةٍ لهم ، وجوابُ لو محذوفٌ لدلالة ما قبله عليه والجملةُ معطوفةٌ على جملة أخرى قبلها محذوفةٍ حذفاً مطّرداً كما بُـيّن في قوله تعالى : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } [ التوبة : 32 ] ونظائرِه . روي " أنه عليه الصلاة والسلام قال لعمه أبـي طالب لما حضرتْه الوفاةُ : " يا عمّ قل كلمةً أحُاجُّ لك بها عند الله " فأبـي فقال عليه الصلاة والسلام : " لا أزال أستغفرُ لك ما لم أُنُهَ عنه " فنزلت . وقيل : لما افتتَح مكةَ خرج إلى الأبواء فزار قبرَ أمِّه ثم قام مستعبِراً فقال : " إني استأذنتُ ربـي في زيارة قبرِ أمّي فأذِن لي ، واستأذنتُه في الاستغفار لها فلم يأذَنْ لي ، وأنزل علي الآيتين " { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ } أي للنبـي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين { أَنَّهُمْ } أي المشركين { أَصْحَـٰبِ ٱلْجَحِيمِ } بأن ماتوا على الكفر أو نزل الوحيُ بأنهم يموتون على ذلك { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرٰهِيمَ لأَبِيهِ } بقوله : { وَٱغْفِرْ لأَبِى } [ الشعراء : 86 ] والجملةُ استئنافٌ مَسوقٌ لتقرير ما سبق ودفعِ ما يتراءى بحسب الظاهرِ من المخالفة ، وقرىء وما استغفر إبراهيمُ لأبـيه ، وقرىء وما يستغفر إبراهيمُ على حكاية الحال الماضية وقوله تعالى : { إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ } استثناءٌ مفرَّعٌ من أعم العللِ أي لم يكن استغفارُه عليه السلام لأبـيه آزرَ ناشئاً عن شيء من الأشياء إلا عن موعدة { وَعَدَهَا } إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام { إِيَّـٰهُ } أي أباه وقد قرىء كذلك بقوله : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] وقولِه : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي } [ مريم : 47 ] بناءً على رجاء إيمانِه لعدم تبـيُّنِ حقيقةِ أمرِه وإلا لما وعدها إياه كأنه قيل : وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبـيه إلا عن موعدة مبْنيةٍ على عدم تبـيُّنِ أمرِه كما ينبىء عنه قولُه تعالى : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } أي لإبراهيمَ بأن أوحِيَ إليه أنه مُصِرٌّ على الكفر غيرُ مؤمنٍ أبداً ، وقيل : بأن مات على الكفر والأولُ هو الأنسبُ بقوله تعالى : { أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ } فإن وصفَه بالعداوة مما يأباه حالةُ الموت { تَبَرَّأَ مِنْهُ } أي تنزّه عن الاستغفار له وتجانبَ كلَّ التجانب ، وفيه من المبالغة ما ليس في تركه ونظائرِه { إِنَّ إِبْرٰهِيمَ لأَوَّاهٌ } لكثيرُ التأوّهِ وهو كنايةٌ عن كمال الرأفةِ ورقةِ القلب { حَلِيمٌ } صبورٌ على الأذية والمحنة ، وهو استئنافٌ لبـيان ما كان يدعوه عليه الصلاة والسلام إلى ما صدر عنه من الاستغفار ، وفيه إيذانٌ بأن إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام كان أواهاً حليماً فلذلك صدَر عنه ما صدر من الاستغفار قبل التبـينِ فليس لغيره أن يأتسيَ به في ذلك ، وتأكيدٌ لوجوب الاجتناب عنه بعد التبـين بأنه عليه الصلاة والسلام تبرأ منه بعد التبـينِ وهو في كمال رقةِ القلبِ والحلم ، فلا بد أن يكون غيرُه أكثرَ منه اجتناباً وتبرُّؤاً ، وأما أن الاستغفارَ قبل التبـينِ لو كان غيرَ محظورٍ لما استُثنيَ من الائتساء به في قوله تعالى : { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرٰهِيمَ لأَبِيهِ لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] فقد حُقق في سورة مريم بإذن الله تعالى .