Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 103, Ayat: 3-3)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ 3 ] يعني أدوا الفرائض كما فرضت عليهم . { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } [ 3 ] أي بالله عزَّ وجلَّ . { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ 3 ] على أمره . قيل : وما الصبر ؟ قال : لا عمل أفضل من الصبر ، ولا ثواب أكبر من ثواب الصبر ولا زاد إلا التقوى ، ولا تقوى إلا بالصبر ، ولا معين على الصبر لله إلا الله عزَّ وجلَّ . قيل : الصبر من الأعمال ؟ قال : نعم الصبر من العمل بمنزلة الرأس من الجسد ، لا يصلح أحدهما إلا بصاحبه . قيل : ما أجل الصبر ؟ قال : أجله انتظار الفرج من الحق . قيل : فما أصل الصبر ؟ قال : مجاهدة النفس على إقامة الطاعات وأدائها بأحكامها وحدودها ومكابدتها على اجتناب المعاصي صغيرها وكبيرها . قيل : والناس في الصبر كيف هم ؟ قال : الناس في الصبر صنفان : فصنف يصبرون للدنيا حتى ينالوا منها ما تشتهي أنفسهم ، فهو الصبر المذموم ، وصنف يصبرون للآخرة طلباً لثواب الآخرة وخوفاً من عذابها . قيل : فالصبر للآخرة هو على نوع واحد أو على أنواع ؟ قال : الصبر للآخرة له أربع مقامات : فثلاث منها فرض ، والرابع فضيلة : صبر على طاعة الله عزَّ وجلَّ وصبر على معصيته وصبر على المصائب من عنده . أو قال : صبر على أمر الله عزَّ وجلَّ ، وصبر على نهيه ، وصبر على أفعال الله عزَّ وجلَّ ، فهذه ثلاث مقامات منه ، وهي فرض ، والمقام الرابع فضيلة وهو الصبر على أفعال المخلوقين . قال الله تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } [ النحل : 126 ] الآية ، كم بالمثل وفضل الصبر ، ثم قال : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [ النحل : 127 ] ولا يعين عليه إلا هو . ولقد لحق رجل بأويس القرني رحمه الله فسمعه يقول : اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة وبدن عاري ، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني ، وليس شيء من الدنيا إلا ما على ظهري . قال : وعلى ظهره خريقة قد تردى بها . قال : وأتاه رجل فقال له : يا أويس كيف أصبحت ؟ أو قال : وكيف أمسيت ؟ قال : أحمد الله على كل حال ، وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظن أنه لا يمسي ، وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح ، إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحاً ، وإن حق الله عزَّ وجلَّ في مال المسلم لم يدع له في ماله فضة ولا ذهباً ، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع لمؤمن صديقاً ، نأمر بالمعروف فيشتمون أعراضنا ، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعواناً ، حتى والله لقد قذفوني بالعظائم ، وأيم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه ، ثم أخذ الطريق . فهذا أويس قد بلغ هذا المقام في الصبر . والله سبحانه وتعالى أعلم .