Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 72-73)

Tafsir: Maǧmaʿ al-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة : قرأ أهل الكوفة غير حفص ونافع وأبو عمرو وابن عامر غير هشام كأن لم يكن بالياء والباقون كأن لم تكن بالتاء ، وروي في الشواذ بالياء عن الحسن ليقولُن بضم اللام ، وروي عن يزيد النحوي والحسن فأفوزُ بالرفع . الحجة : من قرأ بالياء فلأَن التأنيث غير حقيقي ، وحسن التذكير للفصل الواقع بين الفاعل والفعل ، ومثل التذكير ، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فمن جاءه موعظة من ربه ، وفي موضع آخر قد جاءتكم موعظة من ربكم فكلا الأَمرين قد جاء التنزيل به ومن قرأ ليقولُنّ بالضم فإنه أعاد الضمير إلى معنى مَنْ مثل قولـه ، { ومنهم من يستمعون إليك } [ يونس : 42 ] فإن قولـه : { لمن ليبطئن } لا يعني به رجل واحد ، وإنما معناه أن هناك جماعة هذه صفتهم ، وأما من قرأ فأفوزُ فإنه على أن يتمنى الفوز فكأنه قال : يا ليتني أفوز ولو جعله جواباً لنصبه أي إن أكن معهم أفز . اللغة : التبطئة التأخر عن الأَمر يقال : ما بَطَّأ بك عنا أي ما أخَرَّك عنا ومثله الإِبطاء وهو إطالة مدة العمل لقلة الانبعاث وضده الإِسراع وهو قصر مدة العمل للتدبير فيه ، ويقال : بطأُ في مشيه يبطأَ بطأً إذ أثقل . الإِعراب : اللام الأُولى التي في قولـه : { لَمَنْ } لام إنَّ التي هي لام الابتداء بدلالة دخولها على الاسم ، والثانية التي في ليبطئن لام القسم بدلالة دخولها على الفعل مع النون التأكيد ، ومَنْ موصولة بالجالب للقسم وتقديره وإن منكم لمن حلف بالله ليبطئن وإنما جاز صلة مَنْ بالقسم ولم يجز بالأَمر والنهي ، لأَن القسم خبر يوضح الموصول كما يوضح الموصوف في قولك : مررت برجل لَتُكْرِمَنَّهُ لأَنك خصصته بوقوع الإِكرام به في المستقبل من كل رجل غيره ، وليس كذلك في قولك : مررت برجل اضْرِبْهُ لأَنه لا يتخصص بالضرب في كما يتخصص بالخبر " كَأَنْ " خففت النون لأَنك أردت كأنه فحذفت الهاء وصارت " لَمْ " عوضاً مما حذفت منه قولـه ، وكأن لم يكن بينكم وبينه مودة جملة اعترضت بين المفعول وفعله فإن قولـه { يا ليتني كنت معهم } في موضع نصب بكونه مفعول يقولن كما أن قولـه قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيداً في موضع نصب بكونه مفعول قال : وقولـه : { فأفوز } منصوب على جواب التمني بالفاء وانتصابه بإضمار أنْ فيكون عطف اسم على اسم وتقديره : يا ليتني كان لي حضور معهم ففوز ولو كان العطف على ظاهره لكان يا ليتني معهم ففزت . النزول : قيل : إنها نزلت في المؤمنين لأَنه خاطبهم بقولـه : { وإن منكم } وقد فرَّق بين المؤمنين والمنافقين بقولـه : { ما هم منكم ولا منهم } وقال أكثر المفسرين : نزلت في المنافقين وإنما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس والنسب لا من جهة الإِيمان وهو اختيار الجبائي . المعنى : لمَّا حثَّ الله على الجهاد بَيَّن حال المتخلفين عنه فقال { وإنَّ منكم } خاطب المؤمنين ثم أضاف المنافقين إليهم فقال { لمن ليبطئن } أي هم منكم في الحال الظاهرة أو في حكم الشريعة من حقن الدم والمناكحة والموارثة . وقيل : منكم أي من عدادكم ودخلائكم ، ويُبْطِئُ ويُبَطِّئُ بالتشديد والتخفيف معناهما واحد ، أي من يتأخر عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم { فإن أصابتكم مصيبة } فيه من قتل أو هزيمة ، قال قول الشامت المسرور بتخلفه { قال قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيداً } أي شاهداً حاضراً في القتال ، فكان يصيبني ما أصابهم . وقال الصادق : لو أنَّ أهل السماء والأَرض قالوا قد أنعم الله علينا إذ لم نكن مع رسول الله لكانوا بذلك مشركين . { ولئن أصابكم فضل من الله } أي فتح أو غنيمة { ليقولن } يتحسر ، ويقول : يا ليتني كنت معهم . وقولـه : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } اعتراض يتصل بما تقدمه قال : وتقديره قال : قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيداً { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } أي : لا يعاضدكم على قتال عدوّكم ، ولا يراعى الذمام الذي بينكم عن أبي علي الفارسي . وقيل : إنه اعتراض بين القول والتمني وتقديره ليقولن { يا ليتني كنت معهم فأفوز } من الغنيمة { فوزاً عظيماً } كأنه ليس بينكم وبينه مودة أي يتمنى الحضور لا لنصرتكم ، وإنما يتمنى النفع لنفسه . وقيل : إن الكلام في موضعه من غير تقديم وتأخير ، ومعناه : ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن هذا المبطىء قول مَنْ لا تكون بينه وبين المسلمين مودة ، أي : كأنه لم يعاقدكم على الإِيمان ، ولم يظهر لكم مودة على حال { يا ليتني كنت معهم } أي : يتمنى الغنيمة دون شهود الحرب وليس هذا من قول المخلصين فقد عدّوا التخلف في إحدى الحالتين نقمة من الله ، وتمنّوا الخروج معهم في إحدى الحالتين لأَجل الغنيمة ، وليس ذلك من إمارات المودة ، وعلى هذا فيكون قولـه : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } في موضع النصب على الحال . وقال أبو علي الجبائي : إنه حكاية عن المنافقين قالوا للذين أقعدوهم عن الجهاد { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } أي بين محمد مودة فتخرجوا معه لتأخذوا معه من الغنيمة ، وإنما قالوا ذلك ، ليبغضوا إليهم رسول الله يا ليتني كنت معهم ، وهذا التمني من قول المبطئين القاعدين تمنوا أن يكونوا معهم في تلك الغزوة فأفوز فوزاً عظيماً أي أصيب غنيمة عظيمة وآخذ حظاً وافراً منها .