Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 191-191)
Tafsir: Ḥaqāʾiq at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } [ الآية : 191 ] . قال أبو العباس بن عطاء : يذكرونه قيامًا بشرط قيامهم لوفاء الذكر ، ويذكرونه قعودًا بقعودهم عن المخالفات ، وعلى جنوبهم على كل جهة يجنبهم عليها أى يحملهم . وسُئل بعضهم هل فى الجنة ذكر ؟ قال : الذكر طرد الغفلة فإذا ارتفعت الغفلة فلا معنى لذكره وأنشد : @ كفـَى حُزنًـا أنى أناديك أبيًـا كأنى بعيـدُ وكأنـك غائب وأطلبُ مِنكَ الفضلَ من غير رغبةٍ ولم أرَ مثلى زَاهدًا فيكَ راغبُ @@ قال جعفر : يذكرون الله تعالى قيامًا فى مشاهدات الربوبية ، وقعودًا فى إقامة الخدمة ، وعلى جنوبهم فى رؤية الزُلَف . قال الواسطى : كل ذاكرٍ على قدر مطالعة قلبه بذكر ، فمن طالع ملك الجلال ذكره بذلك ، ومن طالع ملك رحمته ذكره بذلك ، ومن طالع ملك معرفته ذكره على ذلك ، ومن طالع ملك سخطه وغضبه كان ذكره أهيب ، ومن طالع المذكور أُغلق عليه باب الذكر . قال النصرآباذى : الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا بقيوميته { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] . وقعودًا بمجالسة " أنا جليس من ذكرنى " . وعلى جنوبهم إشارة { يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 56 ] . قال بعضهم : { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً } : يذكرونه قائمين باتباع أمر الله ، وقعودًا أى قعودًا عن زواجره ونواهيه ، وعلى جنوبهم أى وعلى اجتنابهم مطالعات المخالفات بحالٍ . وقيل : الأصل فى الذكر أنه ذكرك إما بالتوحيد أو بالإلحاد ، وذكرك للعطية أو للمحبة فما أظهر عليك من نعمته ظهر عليك من ذكره قال النبى صلى الله عليه وسلم : " كلٌّ ميسرٌ لما خُلق له " . قال سهل : ما ذكره أحدٌ إلا من غفلة . قال فارس : الذكر طرد الغفلة وليس للمذكور من الذكر إلا حظ الذاكر منه ، وكل من ذكر فبنفسه بدأ لأن ثمرته عائدة عليه والحق وراء ذلك . قال ذو النون : إنما حسن ذكرك له لأنه تبع ذكره لك ، ولولا ذاك لكان كسائر أفعالك . قال القناد : الذكر غذاء الأرواح كما أن الطعام غذاء الأشباح . قال الشبلى رحمة الله تعالى عليه : ذكر الغفلة يكون جوابه اللغز . وأنشد : @ مَا إن ذكرتك إلا هـم يلعننى سرِى وذكرى وفكـرى عند ذكراكا حتى كـأن رقيبـًا منك يهتف بى إياك ويحـك والتذكـار إيّاكا @@ قوله تعالى : { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . قال بعضهم : قدم الذكر على التفكر ، ليتم شكر النعمة على حسب استحقاق المزيد من واجب الشكر لأن الفكر يبرئ الكل منك ، ولا ينصرف إلا بحق . قال بعضهم : فكرة العامة فى العواقب ، وفكرة الخاصة فى السوابق ، وفكرة الأوساط فى الطوارق وهذا يدخل فى مثلات تفسير قوله تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [ فاطر : 32 ] . قال بعضهم : الفكرة بالملاحظة والبصيرة والنجيزة ، فخلوص النجايز أورثت مطالعات المعارف وسلامة البصائر أورثت الضياء فى الضمائر وملاحظة الكريم أوجبت البر والنعيم . قال بعضهم : التفكر يتولد على قدر اليقين ولا يخلو القلب من فكرتين : فكرة فى الآخرة وفكرة فى الدنيا ، ومن صحة التفكر أن يكون حشوه اليقين والرجوع إلى الحق ، ومن فساد التفكر أن يجلب عليك الكدورات والشبهات . قال بعضهم : التفكر أن تتفكر فى تنبهك وغفلتك وطاعتك ومعصيتك ، فإذا تفكرت فيه خَلَص لك أفعالك . قال بعضهم : هو رؤية الله تعالى قبل التفكر فى الأشياء ، وواسطة التفكر أن ترى الأشياء قائمة بالله تعالى ، وفساد التفكر أن ترى الأشياء فتستدل بها على الله تعالى . قال ذو النون : من وفقه الله تعالى للتفكر فُتح عليه المنّه وغرَّقه فى بحار النعمة وأوصله إلى محبة المولى . سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت يوسف بن الحسين يقول : سمعت ذا النون يقول : خَلْق الله تعالى على الفطرة وأطلق لهم الفكرة ، فبالفطرة عرفوه وبالفكرة عبدوه . وقيل : ذلك بالتفكر فى صفات الحق لا فى المحدثات ولو دلك على المحدثات لقال فى حق السماوات والأرض . قال النصرآباذى رحمة الله عليه : أوائل التفكر بالتمييز ، وانتهاؤه عنده سقوط التمييز بالتمييز وانتهاؤه . قوله تعالى : { سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [ الآية : 191 ] . كأنه يقول : نزهنى يا من لا ينزهنى أبدًا غيره وعظمنى يا من لا يعظمنى أبدًا غيره . قال النصرآباذى : سبحانك إنى نزهت نفسك بنفسك فى نفسك ، بمعناك فى معناك ، بما لاق منك بك لك .