Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 79-79)

Tafsir: Ḥaqāʾiq at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } [ الآية : 79 ] . قال الواسطى : يملكون الأشياء ولا يملكهم شىء . وقيل : كونوا ربانيين علماء بالله حكماء بين عباده . وقال ابن عطاء : عاينوا أوقات ترتيبكم لتتخلّصوا من هذه الآفات كُلها . وقال جعفر فى قوله : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } قال : مستمعين بسمع القلوب وناظرين بأعين الغيوب . قال ابن عطاء : أخرجهم بهذا الخطاب عمَّا خاطبهم به من العبودية . قال الواسطىُّ رحمة الله عليه : عاينوا أوقات ترتيبكم وتقديركم قبل آدم ومحمد صلى الله عليه وسلم والانتساب إلى آدم ، والافتخار بمحمد صلى الله عليه وسلم ليس كالافتخار بمن قدَّسَك فى الأزل . وقال أيضًا : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } قال : كونوا كأبى بكر رضى الله عنه إذ ورد عليه فوادح الأمور لا يؤثر على سِرِّه حين قال للنبى صلى الله عليه وسلم يوم بدرٍ : " دع مناشدتك مع ربك فإنه ينجز لك ما وعدك " . وقال أيضًا فى هذه الآية : أمر إبراهيمُ صلى الله عليه وسلم بالاستسلام ، وأمر محمدًا صلى الله عليه وسلم بالعلم فقال : { فَٱعْلَمْ } [ محمد : 19 ] ، فالاستسلام إظهار العبودية والعلم به والتوسل إلى الأزلية والأبدية ، لذلك قال خاطبهم فقال : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } . وقال فى قوله : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } : جذبهم بهذا من الافتخار بالطين إلى الافتخار بالحق . وقال الجنيد رحمة الله عليه : أخرجهم من الكون جملة ، وجذبهم إلى الحق إشارة ، وإذا أردت أن تعرف مقامات الخلق ومواطنهم فى الحقيقة ، فانظر إلى تصرف أخلاقهم تجد كلاً قائمًا فى أشجانه ، استقطعه ما وافق سريرته ، فانظر بما ربطت القلوب فتشهد سرائرهم ، لأنهم أخذوا من المصادر الأول ، فمن لم يستقطعه إلا إنسال أنواره والحياء فيما ورد عليه أتقن كيفية باطنه على الحقيقة ينازعه فى ربوبيته ويمنُّ عليه بعبوديته ولا تشعر أنت . وقال بعض العراقيين : أخرجهم من آدم وبرأهم منه كى ينسوا العبودية ويتركوا الافتخار بالماء والطين . قوله تعالى : { بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } . من آلائى ونعمائى عليكم وبما كنت توليت من أموركم . وقال الشبلى فى قوله تعالى : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } قال : أخرجهم عما خاطبهم به من العبودية ، فمن استحق العلم به استحق علم الربانية ، لأن الربانى النبى لا يأخذ العلوم إلا من الرب ولا يرجع فى بيانه إلا إلى الرب جل وعلا . قال الواسطى رحمة الله عليه فى هذه الآية : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } قال : لأن تكون ابن الأزل والأبد خيرٌ لك وأحسن من أن تكون من أبناء الماء والطين والأفعال والإحصاء والعدد . وقال سهلٌ : الربانى هو العالم بالله والعالم بأمر الله والمكاشف له من العلوم اللَّدنِّى ما غيبه عن غيره . وقال أيضًا : الربانىّ الذى لا يختار على ربه حالاً . وقال الجريرى : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } أى سامعين من الله ناطقين بالله . سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت الفضل بن العباس يقول : فى قوله عز وعلا : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } قال : كونوا كأبى بكر الصديق رضى الله عنه فإنه لما مات النبى صلى الله عليه وسلم اضطربت الأسرار كلها لموته ، ولم يؤثر فى سرِّ أبى بكر فقال : " من كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت " . وقال القاسم : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } متخلقين بأخلاق الحق علماء حلماء . وقال بعضهم : { كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } أى : عبيدًا منقطعين يقتدون بالسيد ويتخلقون بأخلاقه لا يلاحظون الكون بأسره ، ولا ما يجرى من المحو فى وقته . وقال بعضهم : الربانى بحقِّه من نسى نفسه فى نسيانه ، ونسى أوقاته بأوقاته ، ونسى حاله وصفاته وأرزاقه بصفاته ، فصفاته حديثه إلى ذاته وذاتُه ملكه عن صفاته .