Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ḥaqāʾiq at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ } [ الآية : 15 ] . قال سهل : لما خلق الله تعالى الخلق حكم لنفسه بالغناء ولهم بالفقر فمن ادعى الغناء حُجب عن الله ، ومن أظهر فقره إلى الله أوصل فقره بغنائه ويصح إظهار الفقر فى ثلاثة ، فقرهم القديم ، وفقرهم فى حالهم ، وفقرهم فى موت أنفسهم من تدبيرهم ، ومن لم يكن كذا فهو مدعٍ فى فقره . قال يحيى بن معاذ : الفقر خير للعبد من الغنى لأن المذلة فى الفقر والكبر مع الغنى ، والرجوع إلى الله بالتواضع والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال . قال الواسطى رحمة الله عليه : من استغنى بالله لا يفتقر ، ومن تعزَّز بالله لا يذل . قال الحسين : على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غناه بالله فى كل شىء والفقر إليه فى كل شىء والرجوع إليه فى كل شىء . قال الواسطى رحمة الله عليه : أفقر الفقراء من ستر الحق حقيقة حقه والغنى من كاشف الحق حقيقة حقه له . قال سهل رحمة الله عليه : أنتم الفقراء إليه فى كل نفس ، ينبغى للعبد أن يكون مفتقرًا إليه بالسر ومنقطعًا إليه من غيره حتى تكون عبوديته محضة ، والعبودية هى الفقر والذل والخضوع . قال الجنيد رحمة الله عليه : قد عجزت عن علم العبودية كيف تدرك علم الربوبية ، والربوبية : العلم والقدرة والقهر ، والمشيئة ، والعبودية العجز والفاقة والضعف والضرورة ولا يستطيع أن يدفع الضرورة من ضعفه ومن عجزه ، ولا يقدر على دفع فاقته . قال ذو النون رحمة الله عليه : الخلق محتاجون إليه فى كل نفس وخطرة ولحظة . سمعت يوسف بن إسماعيل يقول : سمعت أبا بكر بن إسحاق يقول : سمعت الجنيد رحمة الله عليه يقول : رأيت محمد بن عبد الوهاب فقال لى : يا أبا القاسم أيش أنت فقلت أنا الفقير فقال الفقر سر الله لا يودعه من يظهره قلت : وكيف ذا يا سيدى ؟ قال : لأن الله تعالى كفى أولياءه وأغناهم به . وقال الجوزجانى : الفقر والفاقة دار العصمة وبابها معرفة المنة . وقال الشبلى : الفقر بحر البلاء وبلاؤه كله عز . وقال الجنيد رحمة الله عليه : خلق الخلق وأفقره إليه بغناه عنهم فقال : { أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ } ثم قال : { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } دليل على أن فقر كل شىء إليه فإنه غنى عن الأشياء أجمع . سمعت عبد الواحد بن بكر يقول : سمعت القناد يقول : سمعت الجنيد رحمة الله عليهم يقول : وقد سئل عن الافتقار الى الله أتم أم الاستغناء به ؟ فقال : إذا صح الافتقار الى الله كمل الغنى بالله ، ولا يقال أيهما أتم لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلاَّ بالآخر فمن صح له الافتقار إليه صح له الغنى به . وسمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت الجرير يقول : سمعت الجنيد رحمة الله عليه وعليهم يقول فى قوله : { أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ } فقال : الفقر يليق بالعبودية والغنى يليق بالعبودية . وقال سعد : الفقير الصادق لا يسأل ولا يدخر ولا يحبس . سئل الخواص ما علامة الفقر الصادق ؟ قال : ترك الشكوى وإخفاء أثر البلوى . وسئل رويم عن الفقر ؟ فقال : عدم كل موجود ويكون فى الأشياء دخوله لغيره لا له . سمعت أبا الفرج يقول : سمعت إبراهيم بن أحمد السياجى يقول : سمعت محمد بن الحسين الخطيب يقول : سمعت العباس بن عبد العظيم يقول : سمعت بشر بن الحارث يقول : الفقر مخزون مكنون للمؤمن مثل الشهادة لا ينالها إلاَّ من أحبه الله من عباده . قال أبو سعيد الخراز : حقيقة الفقر أخذ شىء منه واختيار القليل على الكثير عند الحاجة . وقيل : لإبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه ما الذى ورثك الدخول فى الفقر ؟ قال : الصبر عليه . قال عمرو المكى : الفقر ظاهرة ظاهر البلوى وباطنه باطن النعمة وقد وقع عليه كريم الوعد بالجزاء فوجب على العبد إظهار ما بطن من النعمة وإخفاء ما ظهر من البلوى .