Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 2-2)

Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله جل ذكره : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } . حقيقة الحمد الثناء على المحمود ، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة ، واللام ها هنا للجنس ، ومقتضاها الاستغراق ؛ فجميع المحامد لله سبحانه إمَّا وصفاً وإمَّا خلقاً ، فله الحمد لظهور سلطانه ، وله الشكر لوفور إحسانه . والحمد لله لاستحقاقه لجلاله وجماله ، والشكر لله لجزيل نواله وعزيز أفضاله ، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحَوْله ، وحمد الخَلْق له على إنعامه وطوْلِه ، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو ، واستيجابه لنعوت العز والسمو ، فله الوجود ( قدرة ) القديم ، وله الجود الكريم ، وله الثبوت الأحدي ، والكون الصمدي ، والبقاء الأزلي ، والبهاء الأبدي ، والثناء الديمومي ، وله السمع والبصر ، والقضاء والقدر ، والكلام والقول ، والعزة والطوْل ، والرحمة والجود ، والعين والوجه والجمال ، والقدرة والجلال ، وهو الواحد المتعال ، كبرياؤه رداؤه ، وعلاؤه سناؤه ، ومجده عزه ، وكونه ذاته ، وأزله أبده ، وقدمه سرمده ، وحقه يقينه ، وثبوته عينه ، ودوامه بقاؤه ، وقدره قضاؤه ، وجلاله جماله ، ونهيه أمره ، وغضبه رحمته ، وإرادته مشيئته ، وهو الملك بجبروته ، والأحد في ملكوته . تبارك الله سبحانه ! ! فسبحانه ما أعظم شأنه ! فصل : عَلمَ الحق سبحانه وتعالى شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه ، وعجزَهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه وسنائه فأخبرهم أنه حَمِد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فانتعشوا بعد الذِّلة ، وعاشوا بعد الخمود ، واستقلت أسرارهم لكمال التعزز حيث سمعوا ثناء الحق عن الحق بخطاب الحق ، فنطقوا ببيان الرمز على قضية الأشكال . وقالوا : @ ولوجهها من وجهها قمر ولعينها من عينها كحل @@ هذا خطيب الأولين والآخرين ، سيد الفصحاء ، وإمام البلغاء ، لمَّا سمع حمده لنفسه ، ومدحه سبحانه لحقِّه ، علم النبي أن تقاصر اللسان أليق به في هذه الحالة فقال : " لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " . @ داود لو سمعت أذناه قالتَها لما ترنّم بالألحان داود غنت سعاد بصوتها فتخاذلت ألحان داود من الخجل @@ فصل : وتتفاوت طبقات الحامدين لتباينهم في أحوالهم ؛ فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه وإكرامه من نوعي صفة نفعِه ودفعِه ، وإزاحته وإتاحته ، وما عقلوا عنه من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم قال جل ذكره : { وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ النحل : 18 ] ، وطائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه ، وأودع سرائرهم من مكنونات بره ، وكاشف أسرارهم به من خفي غيبه ، وأفرد أرواحهم به من بواده مواجده . وقوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم ، ولم يردوا من ملاحظة العز والكرم إلى تصفح أقسام النعم ، وتأمل خصائص القِسَم ، و ( فرق بين ) من يمدحه بعز جلاله وبين من يشكره على وجود أفضاله ، كما قال قائلهم : @ وما الفقر عن أرض العشيرة ساقنا ولكننا جئنا بلقياك نسعد @@ وقوم حمدوه مُسْتَهْلَكِين عنهم فيما استنطقوا من عبارات تحميده ، بما اصطلم أسرارهم من حقائق توحيده ، فهم به منه يعبِّرون ، ومنه إليه يشيرون ، يُجري عليهم أحكام التصريف ، وظواهرهم بنعت التفرقة مرعية ، وأسرارهم مأخوذه بحكم جمع الجمع ، كما قالوا : @ بيان بيان الحق أنت بيانه وكل معاني الغيب أنت لسانه @@ قوله جل ذكره : { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . الرب هو السيد ، والعالمون جميع المخلوقات ، واختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين لاشتماله على العقلاء والجمادات فهو مالك الأعيان ومُنشيها ، ومُوجِد الرسوم والديار بما فيها . ويدل اسم الرب أيضاً على تربية الخلق ، فهو مُربٍ نفوس العابدين بالتأييد ومربٍ قلوب الطالبين بالتسديد ، ومربٍ أرواح العارفين بالتوحيد ، وهو مربٍ الأشباح بوجود النِّعم ، ومربٍ الأرواح بشهود الكرم . ويدل اسم الرب أيضاً على إصلاحه لأمور عباده من ربيت العديم أربه ؛ فهو مصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته ، ومصلح أمور العابدين بحسن كفايته ، ومصلح أمور الواجدين بقديم عنايته ، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه ، وأصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه ، وثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه ، قال قائلهم :