Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 1-1)
Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
التخاطُب بالحروف المتفرقة غير المنظومة سُنَّةُ الأحباب في سَتْر المحابِّ ؛ فالقرآنُ - وإنْ كان المقصودُ منه الإيضاحَ والبيانَ - ففيه تلويح وتصريح ، ومُفَصَّلٌ ومُجْمَلٌ ، قال قائلهم : @ أبكي إلى الشرق إنْ كانت منازِلُكم مما يلي الغربَ خوفَ القيل والقالِ @@ ويقال وقفت فهُومُ الخَلْق عن الوقوف على أسراره فيما خاطب به حبيبه - صلى الله عليه وسلم - ، فهم تعبدوا به وآمنوا به على الجملة أفرد الحبيبَ بفهمه ، فهو سِرُّ الحبيب عليه السلام بحيث لا يطلع عليه الرقيب ، يقول قائلهم : @ بين المحيين سِرُّ ليس يُفْشيه قولٌ ، ولا قلم للخْلق يحكيه @@ وفي إنزال هذه الحروف المقطعة إشارة : وهي أنَّ منْ كان بالعقل والصحو استنبط من اللفظ اليسير كثيراً من المعاني ، ومن كان بالغيبة والمحو يسمع الكثير فلا يفهم منه اليسير ؛ ذاك لكمال عقله وهذا لتمام وَصْلِه ؛ فأنزل اللَّهُ هذه الحروف التي لا سبيلَ إلى الوقوف على معانيها ، ليكون للأحباب فُرْجَةٌ حينما لا يقفون على معانيها بِعَدَم السبيل إليها فلا تتوجه عليهم مُطَالَبةٌ بالفهم ، وكان ذلك لائقاً بأحوالهم إذا كانوا مستغرِقين في عين الجَمْع ، ولذا قيل : استراح من العقل له . وقوله تعالى : { تِلْكَ } يحتمل أن يكون إشارة إلى أن هذا خَبَرُ الوعد الذي وعدناك . وقيل هذا تعريفنا : إليك بالتخصيص ، وإفرادُنا لك بالتقريب - قد حقَّقْناه لكَ ؛ فهذه الحروف بيانٌ للإنجاز ولتحقيق الموعود . والإشارة من { ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } ها هنا إلى حُكْمِه السابق له بأَنْ يُرَقِّيَه إلى الرتبة التي لا يبلغها غيرُه ، وقد قال تعالى : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } [ القصص : 46 ] أي حين كلَّمنا موسى عليه السلام ، وأخبرناه بعلوِّ قَدْرِك ، ولم تكن حاضراً ، وأخبرناه بأننا نُبَلِّغُك هذا المقامَ الذي أنت فيه الآن . وكذلك كلُّ مَنْ أوحينا إليه ذَكَرْنَا له قِصَتَكَ ، وشَرَحْنَا له خِلقَتك ، فالآنَ وقتُ تحقيق ما أخبرنا به ، وفي معناه أنشدوا : @ سُقْياً لمعهدِكَ الذي لو لم يكن ما كان قلبي للصبابةِ معهدا @@ قال الله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ } [ الأنبياء : 105 ] يعني بعد التوراة { أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] يعني أمة محمد .