Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 39-39)
Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المشيئة لا تتعلق بالحدوث ، والمحو والإثبات متصلان بالحدوث . فصفات ذات الحق - سبحانه - من كلامه وعلمه ، وقوْلِه وحُكْمِه لا تدخل تحت المحو والإثبات ، وإنما يكون المحو والإثبات من صفات فعله ؛ المحوُ يرجع إلى العَدَم ، والإثباتُ إلى الإحداثِ ، فهو يمحو من قلوب الزُّهاد حُبَّ الدنيا ويُثْبِتُ بَدَلَه الزهدَ فيها ، كما في خبر حارثَةَ : " عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حَجَرُها وذهَبُها " . ويمحو عن قلوب العارفين الحظوظَ ، ويُثْبِتُ بدلها حقوقَه تعالى ، ويمحو عن قلوب المُوحِّدين شهودَ غير الحق ويثبت بَدَلَه شهود الحق ، ويمحو آثار البشرية ويثبت أنوار شهود الأحدية . ويقال يمحو العارفين عن شواهدهم ، ويثبتهم بشاهد الحق . ويقال يمحو العبد عن أوصافه ويثبته بالحقِّ فيكون محواً عن الخْلق مثبتاً بالحق للحق . ويقال يمحو العبد فلا يجري عليه حكم التدبير ، ويكون محواً بحسب جريان أحكام التقدير ، ويثبت سلطانَ التصديق والتقليب بإدخال ما لا يكون فيه اختيار عليه على ما يشاء . ويقال يمحو عن قلوب الأجانب ذِكْرَ الحق , ويثبت بَدَلَه غلبات الغفلةِ وهواجِمَ النسيان . ويقال يمحو عن قلوب أهل الفترة ما كان يلوح فيها من لوامع الإرادة ، ويثبت بدلها الرجوعَ إلى ما خرجوا عنه من أحكام العادة . ويقال يمحو أوضارَ الزَّلَّة عن نفوس العاصين ، وآثار العصيان عن ديوان المذنبين ( ويثبت ) يدل ذلك لَوْعَةَ النَّدم ، وإنكسار الحَسْرَةِ ، والخمودَ عن متابعة الشهوة . ويقال يمحو عن ذنوبهم السيئةَ ، ويثبت بدلها الحسنة ، قال تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] . ويقال يمحو الله نضارةَ الشباب ويثبت ضعفَ المشيب . ويقال يمحو عن قلوب الراغبين في مودة أهل الدنيا ما كان يحملهم على إيثار صحبتهم ، ويثبت بدلاً منه الزهد في صحبتهم والاشتغال بعِشْرَتِهِم . ويقال يمحو الله ما يشاء من أيام صَفَتْ من الغيب ، وليالٍ كانت مُضاءةً بالزلفة والقربة ويثبت بدلاً منه ذلك أياماً في أشدُّ ظلاماً من الليالي الحنادس ، وزمانا يجعل سَعَةَ الدنيا عليهم محابِس . ويقال يمحو العارفين بكشف جلاله ، ويثبتهم في وقت آخر بلطف جماله . ويقال يمحوهم إذا تجلَّى لهم ، ويثبتهم إذا تعزَّز عليهم . ويقال يمحوهم إذا ردّهم إلى أسباب التفرقة لأنهم يبصرون بنعت الافتقار والانكسار ، ويثبتهم إذا تجلَّى لقلوبهم فيبصرون بنعت الاستبشار ، ويشهدون بحكم الافتخار . قوله جلّ ذكره { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } . قيل اللوح المحفوظ الذي أثبت فيه ما سبق به عِلْمُه وحُكْمُه مما لا تبديلَ ولا تغييرَ فيه . ويقال إنه إشارة إلى علمه الشامل لكل معلوم .