Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 24-26)

Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا مثل ضربه الله للإيمان والمعرفة به سبحانه ، فشبهه بشجرة طيبة ، وأصل تلك الشجرة ثابت في الأرض وفروعها باسقة وثمراتها وافية . تؤتى أكلها كل وقت ، وينتفع بها أهلُها كل حين . وأصل تلك الشجرة المعرفة ، والإيمان مُصَحَّحاً بالأدلة والبراهين . وفروعها الأعمال الصالحة التي هي الفرائض ومجانبة المعاصي . والواجب صيانة الشجرة مما يَضُرُّ بها مثل كشف القِشْر وقَطْع العِرْق وإملاق الغصن وما جرى مجراه . وأوراق تلك الشجرة القيام بآداب العبودية ، وأزهارها الأخلاق الجميلة ، وثمارها حلاوة الطاعة ولذة الخدمة . وكما أن الثمار تختلف في الطّعم والطبع والرائحة والصورة … كذلك ثمرات الطاعات ومعاني الأشياء التي يجدها العبدُ في قلبه تختلف من حلاوة الطاعة وهي صفة العابدين ، والبسط الذي يجده العبدُ في وقته وهو صفة العارفين ، وراحةٍ في الضمير وهو صفة المريدين ، وأُنْسٍِ يناله في سِرِّه وهو صفة المحبين . وقلقٍ واهتياجٍ يجدهما ولا يعرف سببهما ، ولا يجد سبيلاً إلا سكونه وهو صفة المشتاقين … إلى ما لا يفي بشرحه نطقٌ ، ولا يستوفيه تكلُّفُ قَوْلٍ . وذكرٍ من لوائح ولوامع ، وطوارق وشوارق ، كما قيل : @ طوارق أنوار تلوح إذا بدت فتُظْهِرُ كتمانا وتُخْبِرُ عن جمع @@ ثم إن ثمراتِ الأشجار في السنة مرة ، وثمرات هذه الشجرة في كل لحظة كذا كذا مرة . وكما قال الله تعالى في ثواب الجنة : { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 33 ] كذا لطائف هذه الشجرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وقلوب أهل الحقائق عنها لا مصروفة ، ولا محجوبة ، وهي في كل وقت ونَفَسٍ تبدو لهم غيرَ محجوبة . وثمرات الشجرة أشرف الثمار ، وأنوارها ألطف وأظرف الأنوار ، وإشارات أهل هذه القصة وألفاظهم في مراتبهم ومعانيهم كالرياحين والثَّوْر . ويقال الكلمة الطيبة هي الشهادة بالإلهية ، وللرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة ، وإنما تكون طيبة إذا صدرت عن سرِّ مخلص . والشجرة الطيبة المعرفة ، وأصلها ثابت في أرضِ غير سبخةٍ ، والأرض السبخة قلب الكافر والمنافق ، فالإيمان لا ينبت في قلبيهما كما أن الشجرة في الأرض السبخة لا تنبت . ثم لا بدَّ للشجرة من الماء ، وماء هذه الشجرة دوام العناية ، وإنما تُورِقُ بالكفاية ، وتَتَوَرَّدُ بالهداية . ويقال ماءُ هذه الشجرة ماءُ الندمِ والحياءِ والتلهفِ والحسرةِ والأمانة والخشوع وإسبال الدموع . ويقال ثمرات هذه الشجرة مختلفة بحسب اختلاف أحوالهم ؛ فمنها التوكل والتفويض والتسليم ، والمحبة والشوق والرضا ، والأحوال الصافية الوافية ، والأخلاق العالية الزكية . ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة هي كلمة الكفر ، وخبثُها ما صحبها من نجاسة الشِّرك ، فَخُبْث الكلمة لصدورها عن قلبٍ هو مُسْتَقَرُّ الشِّرْكِ ومنبعه . والشجرة الخبيثة هي الشِّرْكُ اجتُثَّ من فوق الأرض ؛ لأن الكفر متناقض متضاد ، ليس له أصل صحيح ، ولا برهان موجب ، ولا دليل كاشف ، ولا علة مقتضية ، وإنما شُبَهٌ وأباطيل وضلال ، تقتضي وساوسَ وتسويلاتٍ ما لها من قرار ، لأنها حاصلة من شُبَهٍ واهية وأصول فاسدة .