Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 70-70)
Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المراد من قوله : { بَنِي ءَادَمَ } هنا المؤمنون لأنه قال في صفة الكفار : { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } [ الحج : 18 ] والتكريم التكثير من الإكرام ، فإذا حَرَمَ الكافرَ الإكرامَ … فمتى يكون له التكريم ؟ ويقال إنما قال : { كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } ولم يقل المؤمنين أو العابدين أو أصحاب الاجتهاد توضيحاً بأن التكريم لا يكون مقابلَ فِعْلِ ، أو مُعَلَّلاً بِعِلةٍ ، أو مُسَبّباً باستحقاقٍ يوجب ذلك التكريم . ومن التكريم أنهم متى شاءوا وقفوا معه على بساط المناجاة . ومن التكريم أنه على أي وصف كان من الطهارة وغيرها إذا أراد أن يخاطبه خَاطَبَه ، وإذا أراد أن يسأل شيئاً سأله . ومن التكريم أنه إذا تاب ثم نقض توبته ثم تاب يقبل توبته ، فلو تكرر منه جُرْمُه ثم توبته يضاعف له قبولَه التوبة وعفوَه . ومن التكريم أنه إذا شَرَعَ في التوبة أَخَذَ بيده ، وإذا قال : لا أعود - يقبل قولَه وإِنْ عَلِمَ أنه ينقض توبته . ومن التكريم أنه زَيَّنَ ظاهرَهم بتوفيق المجاهدة ، وحَسَّنَ باطنَهم بتحقيق المشاهدة . ومن التكريم أنه أعطاهم قبل سؤالهم ، وغفر لهم قبل استغفارهم ، كذا في الأثر : " أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني " . ومن تكريم جملتهم أنه قال لهم : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ولم يقل ذلك للملائكة ولا للجن . وكما خَصَّ بني آدم بالتكريم خصَّ أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - منهم بتكريم مخصوص ، فمن ذلك قوله تعالى : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] و { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ المائدة : 119 ] وقوله { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } [ البقرة : 165 ] . ومن التكريم قوله : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء : 110 ] ومن التكريم ما ألقى عليهم من محبة الخالق حتى أحبوه . ومن التكريم لقوم توفيقُ صِدْق القَدَم ، ولقوم تحقيقُ علوِّ الهِمَم . قوله : { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } : سَّخر البحر لهم حتى ركبوا في السفن ، وسَّخر البرَّ لهم حتى قال : { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } [ فصلت : 37 ] . ويقال محمولُ الكرامِ لا يقع ، فإنْ وَقَعَ وَجَدَ مَنْ يأخذ بيده . ويقال الإشارة في حملهم في البرِّ ما أوصل إليهم جهراً ، والإشارة بحديث البحر . ما أفردهم به من لطائف الأحوال سِرَّا . ويقال لمّا حَمَلَ بنو آدم الأمانة حملناهم في البر ، فَحَمْلٌ هو جزاءُ حَمْلٍ ، حَمْلٌ هو فِعْلُ مَنْ لم يكن وحَمْلٌ هو فَضْلُ من لم يَزَل . قوله : { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } : الرزق الطيب ما كان على ذكر الرازق ؛ فَمَنْ لم يكن غائباً بقلبه ولا غافلاً عن ربَّه استطاب كُلَّ رزقٍ ، وأنشدوا : @ يا عاشقي إني سَعِدْتُ شراباً لو كان حتى علقماً أو صابا @@ قوله : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } : أي الذين فضلناهم على خلقِ كثير ، وليس يريد أن قوماً بقوا لم يفضلهم عليهم ، ولكن المعنى أنا فضلناهم على كلِّ مَنْ خَلَقْنا ، وذلك التفضيل في الخِلْقة . ثم فَاضَلَ بين بني آدم في شيء آخر هو الخُلق الحسن ، فَجَمَعهم في الخُلقة - التي يفضلون بها سائر المخلوقات - ومَايَزَ بينهم في الخُلق . ويقال : { كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } : هذا اللفظ للعموم ، والمراد منه الخصوص ، وهم المؤمنون ، وبذلك يفضل قومٌ على الباقين ، ففَضَّل أولياءَه على كثير ممن لم يبلغوا استحقاقَ الولاية . ويقال فضَّلهم بألاَّ ينظروا إلى نفوسهم بعين الاستقرار ، وأن ينظروا إلى أعمالهم بعين الاستصغار .