Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 78-78)

Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله جلّ ذكره : { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } . { حَقَّ جِهَادِهِ } : حق الجهاد ما وافق الأمر في القَدْرِ والوقتِ والنوعِ ، فإذا حَصَلَتْ في شيءٍ منه مخالفةٌ فليس حَقَّ جهاده . ويقال المجاهدة على أقسام : مجاهدةٌ بالنَّفْسِ ، ومجاهدةٌ بالقلبِ ، ومجاهدةٌ بالمال . فالمجاهدةُ بالنفس ألا يَدَّخِرَ العبدُ ميسوراً إلا بَذَلَه في الطاعة بتحمل المشاق ، ولا يطلب الرخص والإرفاق . والمجاهدةُ بالقلب صَوْنُه عن الخواطرِ الرديئةِ مثل الغفلة ، والعزمُ على المخالفات ، وتذكرُ ما سَلَفَ أيام الفترة والبطالات . والمجاهدة بالمال بالبذل والسخاء ثم بالجود والإيثار . ويقال حق الجهاد الأخذ بالأشق ، وتقديم الأشق على الأسهل - وإنْ كان في الأَخَفِّ أيضاً حق . ويقال حق الجهاد ألا يَفْتُرَ العبدُ عن مجاهدةِ النَّفْس لحظةً ، قال قائلُهم : @ يا رَبِّ إِنَّ جهادي غيرُ مُنْقَطِعٍ فكلُّ أرضٍ لي ثَغْر طرسوس @@ قوله جلّ ذكره : { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ } . يحتمل أن يقول مِنْ حَقِّ اجتبائه إياكم أَنْ تُعَظمِّوا أَمْرَ مولاكم . ويحتمل أن يقال هو الذي اجتباكم ، ولولا أنه اجتباكم لَمَا جَاهَدْتُم ، فلاجتبائه إياك وَفَّقَكَ حتى جاهدتَ . ويقال عَلَم ما كنت تفعله قبل أَنْ خَلَقَكَ ولم يمنعه ذلك مِنْ أَنْ يَجْتَبِيَكَ ، وكذلك إِنْ رأى ما فَعَلْتَ فلا يمنعه ذلك أَنْ يتجاوزَ عنك ولا يعاقبك . قوله جلّ ذكره : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } . الشرع مبناه على السهولة ، والذي به تصل إلى رضوانه وتستوجِب جزيلَ فضله وإحسانه ، وتتخلَّص به من أليم عقابه وامتحانه - يسيرٌ من الأمر لا يستغرق كُنْه إمكانك ؛ بمعنى أَنَّك إٍن أَرَدْتَ فِعْلَه لَقَدَرْتَ عليه ، وإنْ لم توصَفْ في الحال بأنَّك مستطيعٌ ما ليس بموجودٍ فيك . قوله جلّ ذكره : { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } . أي اتَّبِعوا والزَمُوا مِلَّةَ أبيكم إبراهيم عليه السلام في البَذْلِ والسخاء والجود والخلة والإحسان . قوله جلّ ذكره : { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ } . اللَّهُ هو الذي اجتباكم ، وهو الذي بالإسلام والعرفان سَمَّاكم المسلمين . وقيل إبراهيم هو الذي سماكم المسلمين بقوله : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] . قوله : { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ } ، نَصَبَ الرسولَ بالشهادة علينا ، وأمره بالشفاعة لأمته ، وإنما يشهد علينا بمقدار ما يُبْقى للشفاعة موضعاً ومحلاً . قوله جلّ ذكره : { وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } . وتلك الشهادة إنما نؤديها لله ، ومَنْ كانت له شهادة عند أحد - وهو كريم - فلا يجرح شاهده ، بل يسعى بما يعود إلى تزكية شهوده . قوله جلّ ذكره : { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } . أقيموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ بحكم الإتمام ، ونعت الاستدامة ، وجميل الاستقامة . والاعتصامُ بالله التبري من الحول والقوة ، والنهوض بعبادة الله بالله لله . ويقال الاعتصام بالله التمسكُ بالكتاب والسنة . ويقال الاعتصامُ بالله حُسْنُ الاستقامة بدوام الاستعانة . { هُوَ مَوْلاَكُمْ } : سيدكم وناصركم والذي لا خلف عنه . { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } نِعْمَ المولى : إخبارُ عن عظمته ، ونعم النصير : إخبارُ عن رحمته . ويقال إن قال لأيوب : { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ } [ ص : 44 ] ولسليمان : { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ } [ ص : 30 ] فلقد قال لنا : { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } ، ومدحه لِنفسه أعزُّ وأجلُّ من مدحه لك . ويقال : { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } : بَدَأَكَ بالمحبة قبل أنْ أحببتَه ، وقبل أن عَرَفْتَه أو طَلَبْتَه أو عَبَدته . { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } : إذا انصرف عنكَ جمع مَنْ لَكَ فلا يدخل القبرَ معك أحدٌ كان ناصِرَك ، ولا عند السؤال أو عند الصراط .