Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 30-30)

Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" ثم " استقاموا : ثم حرف يقتضي التراخي ، فهو لا يدل على أنهم في الحال لا يكونون مستقيمين ، ولكنه معناه استقاموا في الحال ، ثم استقاموا في المآل بأن استداموا إيمانَهم إلى وقت خروجهم من الدنيا ، وهو آخرُ أحوالِ كونِهم مُكَلَّفين . ويقال : قالوا بشرط الاستجابة أولاً ، ثم استبصروا بموجب الحجة ، ولم يثبتوا على وصف التقليد ، ولم يكتفوا بالقالة دون صفاء الحالة . " استقاموا " : الاستقامة هي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها من غير إخلالٍ بشيءٍ من أقسامها . ويقال : هم على قسمين . مستقيم ( في أصول ) التوحيد والمعرفة … وهذه صفة جميع المؤمنين . ومستقيم في الفروع من غير عصيان … وهؤلاء مختلفون ؛ فمنهم … ومنهم ، ومنهم . { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ } : الذي لهم البشارة هم كل من استقام في التوحيد ، ولم يشرك . فله الأمان من الخلود . ويقال : مَنْ كان له أصل الاستقامة أَمِنَ من الخلود في النار ، ومن كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد من غير أن يلحقه سوءٌ بحالٍ … ثم الاستقامة لهم على حسب أحوالهم ؛ فمستقيمٌ في عهده ، ومستقيم في عقده ، ومستقيم في جهده ومراعاة حدِّه ، ومستقيم في عقده وجهده حدِّه وحبِّه . وودِّه … وهذا أتمُّهم . ويقال : استقاموا على دوام الشهود وعلى انفراد القلب بالله . ويقال : استقاموا في تصفية العقد ثم في توفية العهد ثم صحة القصد بدوام الوجد . ويقال : استقاموا بأقوالهم ثم بأعمالهم ، ثم بصفاء أحوالهم في وقتهم وفي مآلهم . ويقال : أقاموا على طاعته ، واستقاموا في معرفته ، وهاموا في محتبه ، وقاموا بشرائط خدمته . ويقال : استقامةٌ الزاهدِ ألا يرجعَ إلى الدنيا ، وألا يمنعَه الجاهُ بين الناس عن الله . واستقامةُ العارفِ ألا يشوبَ معرفتَه حظٌّ في الداريْن فيحجبه عن مولاه . واستقامةُ العابدِ ألا يعودَ إلى فترته واتباع شهوته ، ولا يتداخله رياءٌ وتصنُّع واستقامة المُحِبِّ ألا يكون له أرَبٌ من محبوبه ، بل يكتفي من عطائه ببقائه ، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده . { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } : إنما يكون الخوف في المستقل من الوقت ، من حلولِ مكروهِ أو فوات محبوبٍ فالملائكةُ يبشرونهم بأن كل مطلوبٍ لهم سيكون ، وكل محذورٍ لهم لا يكون . والحزن من حُزُونه الوقت ، ومن كان راضياً بما يجري فلا حزنَ له في عيشه . والملائكة يبشرونهم بأنهم لا حزونه في أحوالهم ، وإنما هم الرَّوْح والراحة . { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ } : أي بحسن المآب ، وبما وَعَدَ اللَّهُ من جميل الثواب . والذي هو موعودٌ للأولياء بسفارة الملَكِ موجودٌ اليومَ لخواصِّ عباده بعطاء المَلِكِ ؛ فلا يكون لأحدهم مطالعةٌ في المستقبل من حاله بل يكون بحكم الوقت ؛ فلا يكون له خوفٌ ؛ لأن الخوف - كما قلنا من قبل - ينشأ من تطلع إلى المستقبل إمَّا من زوالِ محبوبٍ أو حصولِ مكروه ، وإن الذي بصفة الرضا لا حزونة في حاله ووقته . ويمكن القول : { أَلاَّ تَخَافُواْ } من العذاب ، { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما خلفتم من الأسباب ، { وَأَبْشِرُواْ } بحسن الثواب في المآب . ويقال : { أَلاَّ تَخَافُواْ } من عزل الولاية ، { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما أسلفتم من الجناية ، { وَأَبْشِرُواْ } بحسن العناية في البداية . ويقال : { أَلاَّ تَخَافُواْ } مما أسلفتم ، { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما خلفتم ، { وَأَبْشِرُواْ } بالجنة التي لها تكلفتم . ويقال : { أَلاَّ تَخَافُواْ } المذلَّة ، { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما أسلفتم من الزلَّة ، { وَأَبْشِرُواْ } بدوام الوصلة .