Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 54-54)
Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله جلّ ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } . جعل صفة من لا يرتدُّ عن الدين أن اللهَ يحبه ويحبُّ الله ، وفي ذلك بشارة عظيمة للمؤمنين لأنه يجب أن يُعْلَمَ أن من كان غير مرتد فإنَّ الله يحبه . وفي إشارة دقيقة فإن من كان مؤمناً يجب أن يكون لله محباً ، فإذا لم تكن له محبة فالخطر بصحة إيمانه . وفي الآية دليل على جواز محبة العبد لله وجواز محبة الله للعبد . ومحبة الحق للعبد لا تخرج عن وجوه : إمَّا أن تكون بمعنى الرحمة عليه أو بمعنى اللطف والإحسان إليه ، والمدح والثناء عليه . أو يقال إنها بمعنى إرادته لتقريبه وتخصيص محله . وكما أن رحمته إرادته لإنعامه فمحبته إرادته لإكرامه ، والفرق بين المحبة والرحمة على هذا القول أن المحبة إرادة إنعامٍ مخصوصٍ ، والرحمة إرادة كل نعمة فتكون المحبةُ أخصَّ من الرحمة ، واللفظان يعودان إلى معنًى واحد فإن إرادة الله تعالى واحدة وبها يريد سائر مراداته ، وتختلف أسماء الإرادة باختلاف أوصاف المتعلق . وأمَّا محبة العبد لله - سبحانه - فهي حالة لطيفة يجدها في قلبه ، وتحمله تلك الحالة على إيثارِ موافقة أمره ، وتَرْكِ حظوظ نفسه ، وإيثارِ حقوقه - سبحانه - بكل وجه . وتحصل العبارة عن تلك الحالة على قدر ما تكون صفة العبد في الوقت الذي يعبَّر عنه ؛ فيقال المحبة ارتياح القلب لوجود المحبوب ، ويقال المحبة ذهاب المُحِبِّ بالكلية في ذكر المحبوب ، ويقال المحبة خلوص المحب لمحبوبه بكل وجه ، والمحبة بلاء كل كريم ، والمحبة نتيجة الهمة فمن كانت همته أعلى فمحبته أصفى بل أوفى بل أعلى . ويقال المحبة سُكْرٌ لا صحوَ فيه ودَهَشٌ في لقاء المحبوب يوجِب التعطُّلَ عن التمييز ، ويقال المحبة بلاء لا يُرْجَى شفاؤه ، وسقام لا يعرف دواؤه . ويقال المحبة غريمٌ يلازمك لا يبرح ، ورقيبٌ من المحبوب يستوفي له منك دقائقَ الحقوق في دوام الأحوال ، ويقال المحبة قضية توجب المحبة ؛ فمحبة الحق أوجبت محبة العبد . قوله جلّ ذكره : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . لولا أنه يحبهم لما أحبهم ، ولولا أنه أخبر عن المحبة فأنَّى تكون للطينة ذِكْرُ المحبة ؟ ثم بيَّن الله تعالى صفة المحبين فقال : { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } . يبذلون المُهَجَ في المحبوب من غير كراهة ، ويبذلون الأرواح في الذَبِّ عن المحبوب من غير ادخار شظية من الميسور . ثم قال تعالى في صفتهم : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي يجاهدون بنفوسهم من حيث استدامة الطاعة ، ويجاهدون بقلوبهم بقطع المنى والمطالبات ، ويجاهدون بأرواحهم بحذف العلاقات ، ويجاهدون بأسرارهم بالاستقامة على الشهود في دوام الأوقات . ثم قال : { وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } أي لا يلاحظون نُصْحَ حميم ، ولا يركنون إلى استقلال حكم ، ولا يجنحون إلى حظ ونصيب ، ولا يزيغون عن سَنَنِ الوفاء بحالٍ . ثم بيَّن - سبحانه - أن جميع ذلك إليه لا منهم فقال : و { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } متفضِّلٌ عليم بِمَنْ يَخُصَّ بذلك من عبيده .