Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 14-21)

Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } . يتمكنون من قطافها على الوجه الذي هم فيه من غير مشقة ؛ فإِن كانوا قعوداً تُدلَّى لهم ، وإن كانوا قياماً - وهي على الأرض - ارتقت إليهم . { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ } . الاسم فضة ، والعين لا تشبه العين . { وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } . أي : في صفاء القوارير وبياض الفضة … قَدَّرَ ذلك على مقدار إرادتهم . { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } . المقصود منه الطِّيب . فقد كانوا ( أي العرب ) يستطيبون الزنجبيل ، ويستلذون نكهته ، وبه يشبِّهون الفاكهة ، ولا يريدون به ما يقرص اللسان . { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } . أي : يُسْقَوْنَ من عينٍ - أثبت المَسْقِيَّ وأَجْمَلَ مَنْ يسقيهم ؛ لأنَّ منهم من يسقيه الحقُّ - سبحانه - بلا واسطة . قوله جلّ ذكره : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } . أي : يخدمهم { وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } وصفا لا يجوز واحد منهم حدَّ الوصائف . وجاء في التفسير : لا يَهْرَمون ولا يموتون . وجاء مُقَرَّطون . إذا رأيتهم حسبتهم من صفاء ألوانهم لؤلؤاً منثوراً . وفي التفسير : ما من إنسانٍ من أهل الجنة إلا ويخدمه ألف غلام . قوله جلّ ذكره : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } . { ثَمَّ } : أي في الجنة . { وَمُلْكاً كَبِيراً } : في التفاسير أن الملائكة تستأذن عليهم بالدخول . وقيل : هو قوله : { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } [ ق : 35 ] ويقال : أي لا زوالَ له . { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } . يحتمل أن يكون هذا الوصف للأبرار . ويصح أن يكون للولدان وهو أَوْلَى ، والاسم يوافق الاسم دون العين . { شَرَاباً طَهُوراً } : الشراب الطهورُ هو الطاهر في نفسِه المُطَهِّرُ لغيره . فالشراب يكون طهوراً في الجنة - وإنْ لم يحصل به التطهيرُ لأن الجنة لا يُحتاجُ فيها إلى التطهير . ولكنه - سبحانه - لمَّا ذَكَرَ الشرابَ - وهو اليومَ في الشاهد نجَسٌ - أخبر أنَّ ذلك الشرابَ غداً طاهرٌ ، ومع ذلك مُطَهِّر ؛ يُطَهِّرُهم عن محبة الأغيار ، فمن يَحْتسِ من ذلك الشرابِ شيئاً طَهَّرَه عن محبة جميع المخلوقين والمخلوقات . ويقال : يُطَهِّرُ صدورهم من الغِلِّ والغِشِّ ، ولا يُبْقِي لبعضهم مع بعض خصيمة ولا عداوة ولا دَعْوَى ولا شيء . ويقال : يُطهِّرُ قلوبهم عن محبة الحور العين . ويقال : إن الملائكة تعرض عليهم الشرابَ فيأبون قبولَه منهم ، ويقولون : لقد طال أَخْذُنا مِنْ هؤلاء ، فإذا هم بكاساتٍ تُلاقِي أفواهَهَم بغير أكُفٍّ ؛ من غيبٍ إلى عَبْدٍ . ويقال : اليومَ شرابٌ وغداً شراب … اليوم شرابُ الإيناس وغداً شرابُ الكاس ، اليومَ شرابٌ من اللُّطْفِ وغداً شرابٌ يُدار على الكفّ . ويقال : مَنْ سقاه اليومَ شرابَ محبَّتهِ آنسَه وشَجَّعُه ؛ فلا يستوحِش في وقته من شيء ، ولا يَضِنُّ بروحه عن بَذْل . ومن مقتضى شُرْبه بكأسِ محبته أن يجودَ على كلِّ أحدٍ بالكونين من غير تمييز ، ولا يَبْقَى على قلبه أثرٌ للأخطار . ومن آثارِ شُرْبِه تذلُّلُه لكلِّ أحدٍ لأجل محبوبه ، فيكون لأصغرِ الخَدم تُرَابَ القَدَم ، لا يتحرَّكُ فيه للتكبُّر عرْقٌ . وقد يكون من مقتضى ذلك الشراب أيضاً في بعض الأحايين أَنْ يَتِيه على أهل الدارين . ومن مقتضى ذلك الشراب أيضاً أَنْ يمْلِكَه سرورٌ ولا يَتَمَالَكُ معه من خَلْعِ العذار وإلقاء قناع الحياء ويظهر ما هو به من المواجيد : @ يخلع فيك العذارَ قومٌ فكيف مَنْ مالَه عذارُ ؟ @@ ومن موجِبات ذلك الشراب سقوط الحشمة ، فيتكلم بمقتضى البسط ، أو بموجب لفظ الشكوى ، وبما لا يَستخرجُ منه - في حال صَحْوه - سفيهٌ بالمناقيش … وعلى هذا حَمَلُوا قول موسى : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] . فقالوا : سَكِرَ من سماع كلامه ، فَنَطَقَ بذلك لسانُه . وأمَّا مَنْ يسقيهم شرابَ التوحيد فَيَنْفي عنهم شهودَ كلِّ غَيْرِ فَيهيمون في أودية العِزِّ ، ويتيهون في مفاوزِ الكبرياء ، وتتلاشى جملتهُم في هواء الفرادنية … فلا عقلَ ولا تمييزَ ولا فَهْمَ ولا إدراك … فكلُّ هذه المعاني ساقطة . فالعبدُ يكون في ابتداء الكَشْفِ مُستوْعَباً ثم يصير مستغْرقاً ثم يصيرُ مُسْتَهْلَكا … { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 42 ] .