Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 111-111)
Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمّا كان من المؤمنين تسليمُ أَنفسهم وأموالهم لحُكْمِ الله ، وكان من الله الجزاءُ والثوابُ ؛ أي هناك عِوَضٌ ومُعَوض ، فَلِمَا بَين ذلك وبين التجارة من مشابهة أطلق لفظَ الاشتراءِ ، وقد قال تعالى : { هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ … } [ الصف : 10 ] ، وقال : { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } [ البقرة : 16 ] . وفي الحقيقة لا يصحُّ في وصف الحق - سبحانه - الاشتراء لأنه مَالِكُ سِوَاه ، وهو مالِكُ الأعيانِ كلِّها . كما أَنَّ مَنْ لم يستَحْدِثْ مِلْكاً لا يُقَال إنه - في الحقيقة - باع . وللمقال في هذه الآية مجال … فيقال : البائعُ لا يستحقُّ الثمنَ إذا امتنع عن تسليم المبيع ، فكذلك لا يستحق العبدُ الجزاءَ الموعودَ إلا بعد تسليمِ النَّفسِ والمالِ على موجب أوامر الشرع ، فَمَنْ قَعَدَ أو فَرَّطَ فغيرُ مستحقٍ للجزاء . ويقال لا يجوز في الشرع أن يبيع الشخصُ ويشتري شيئاً واحداً فيكونَ بائعاً ومشترياً إلا إذا كان أباً وجَدَّاً ! ولكن ذلك هنا بلفظ الشفقة ؛ فالحقُّ بإذنه كانت رَحْمَتُه بالعبد أتمَّ ، ونظرُه له أبلغَ ، وكان للمؤمِن فيه من الغبطة ، ما لا يخفى ، فصحَّ ذلك وإن كان حُكمه لا يقاس على حكم غيره . ويقال إنما قال : { ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } ولم يقل " قلوبهم " لأنَّ النَّفْسَ محلُّ الآفات فجعل الجنة في مقابلتها ، وجعل ثَمَنَ القلبِ أَجَلَّ من الجنة ، وهو ما يخصُّ به أولياءه في الجنة مِنْ عزيزِ رؤيته . ويقال النَّفْسُ محلُّ العيب ، والكريم يرغب في شراء ما يزهد فيه غيره . ويقال مَنْ اشترى شيئاً لينتفع به اشترى خيرَ ما يجده ، ومن اشترى شيئاً لِيَنْتَفِعَ به غيرهُ يشتري ما رُدَّ على صاحبه لِيَنْفَعَه بثمنه . وفي بعض الكتب المنزلة على بعض الأنبياء - عليهم السلام - : يا بني آدم ، ما خلقتُكم لأربحَ عليكم ولكن خَلَقْتُكم لتربحوا عليَّ . ويقال اشترى منهم نفوسَهم فرهبوا على قلوبهم شكراً له حيث اشترى نفوسَهم ، وأمَّا القلبُ فاستأثره قهراً ، والقهر في سُنَّةِ الأحبابِ أعزُّ من الفضل ، وفي معناه أنشدوا : @ بُنِيَ الحبُّ على القَهْرِ فلو عَدَلَ المحبوبُ يوماً لَسَمُج ليس يُسْتَحْسَنُ في حكم الهوى عاشِقٌ يَطْلُبُ تأليفَ الحُجَج @@ وكان الشيخ أبو علي الدقاق رحمه الله يقول : " لم يقل اشترى قلوبَهم لأن القلوبَ وَقْفٌ على محبته ، والوقفُ لا يُشترى " . ويقال الطيرُ في الهواء ، والسَّمَكُ في الماءِ لا يصحُّ شراؤهما لأنه غير ممكن تسليمهما ، كذلك القلبُ … صاحبُه لا يمكنه تسليمه ، قال تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [ الأنفال : 24 ] . وفي التوراة : " الجنَّةُ جنتي والمالُ مالي فاشتروا جنتي بمالي فإنْ ربحتم فلكم وإِنْ خَسِرْتُمْ فعليَّ " . ويقال عَلِمَ سوءَ خُلقِك فاشتراك قبل أَنْ أوجدك ، وغَالِي بثمنك لئلا يكونَ لَكَ حقُّ الاعتراض عند بلوغك . ويقال ليس للمؤمن أن يتعصَّبَ لنفسه بحالٍ لأنها ليست له ، والذي اشتراها أَوْلى بها من صاحبها الذي هو أجنبيٌّ عنها . ويقال أخبر أنه اشتراها لئلا يَدَّعِيَ العبدُ فيها ؛ فلا يساكنها ولا يلاحظها ولا يُعْجَبُ بها . قوله : { فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } سيّان عندهم أن يَقْتُلُوا أو يُقْتَلُوا ، قال قائلهم : @ وإنَّ دَمَاً أجريتَه لك شاكرٌ وإِنَّ فؤاداً خِرْتَه لكَ حامدُ @@ ويقال قال : { فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ } ولم يقل بثمن مبيعكم لأنه لم يكن مِنَّا بَيْعٌ ، وإنما أخبر عن نفسه بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فجعل بَيْعَه بَيْعَنا ، وهذا مثلما قال في صفة نبيه - صلى الله عليه وسلم - { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [ الأنفال : 17 ] وهذا عين الجَمْع الذي أشار إليه القوم .