Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 21-22)
Tafsir: Laṭāʾif al-išārāt bi-tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
البشارة من الله تعالى على قسمين : بشارة بواسطة المَلَكِ ، عند التوفي : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ } [ فصلت : 30 ] . وبشارة بلا واسطة بقول المَلَك ، إذ يُبَشِّرهم ربُّهم برحمةٍ منه ، وذلك عند الحساب . يبشرهم بلا واسطة بِحُسْنِ التولِّي ؛ فعاجِلُ بشارتهم بنعمة الله ، وآجِل بشارتهم برحمة الله ، وشتان ما هما ! ويقال البشارة بالنعمة والجنة لأصحاب الإحسان ، والبشارة بالرحمة لأرباب العصيان ، فأصحاب الإحسان صَلُحَ أمرهم للشهرة فأَظْهَرَ أَمَرَهُم للمَلَكِ حتى بَشَّروهم جَهْراً ، وأهلُ العصيان صلح حالهم لِلسَتْرِ فتولَّى بشارتهم - من غير واسطة سِرَّاً . ويقال إِنْ كانت للمطيع بِشارةٌ بالاختصاص فإنَّ للعاصي بشارة بالخلاص . وإن كان للمطيع بشارة بالدرجات فإن للعاصي بشارة بالنجاة . ويقال إنَّ القلوبَ مجبولةٌ على محبة من يُبَشِّر بالخير ؛ فأراد الحقُّ - سبحانه - أن تكون محبةُ العبد له - سبحانه - على الخصوص ؛ فتولَّى بشارته بعزيز خطابه من غير واسطة ، فقال : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ } [ التوبة : 21 ] وفي معناه أنشدوا : @ لولا تَمتُّعُ مُقْلتي بلقائه لَوَهَبْتُها بُشْرَى بقرب إيابه @@ ويقال بَشَّرَ العاصِيَ بِالرحمة ، والمطيعَ بالرضوان ، ثم الكافةَ بالجنة ؛ فَقَدَّمَ العاصِيَ في الذكر ، وقدَّم المطيع بالبرِّ ، فالذَّكر قوْلُه وهو قديم والبِرُّ طَوْلُه وهو عميم . وقولُه الذي لم يَزَلْ أعَزُّ مِنْ طوْله الذي حصَلَ . قدَّم العصاة على المطيعين لأنَّ ضَعْفَ الضعيف أَوْلى بالرِّفق من القوي . ويقال قدَّم أمر العاصي بالرحمة حتى إذا كان يومُ العَرْضِ وحضورِ الجمعِ لا يفتضح العاصي . ويقال : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ } يُعَرِّفُهم أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تلك الدرجات بسعيهم وطاعتهم ، ولكن برحمته - سبحانه - وصلوا إلى نعمته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحدٍ يُنَجِّيه عمله . قالوا : ولا أنتَ يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إِلا أن يتغمدني الله برحمته " . قوله : { لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } : قومٌ نعيمُهم عطاءُ ربِّهم على وصف التمام ، وقومٌ نعيمُهم لقاءُ ربهم على نعت الدوام ؛ فالعابدون لهم تمام عطائه ، والعارفون لهم داوم لقائه . ثم قال : { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } والكناية في قوله " فيها " كما ترجع إلى الجنة تصلح أن ترجع إلى الحالة ، سيما وقد ذكر الأجر بعدها ؛ فكما لا يَقْطَعُ عطاءَه عنهم في الجنة لا يمنع عنهم لقاءَه متى شاءوا في الجنة ، قال تعالى : { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 33 ] أي لا مقطوعةٌ عنهم نعمتُه ، ولا ممنوعةٌ منهم رؤيتُه .