Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 88-92)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } اما قوله يا ايها العزيز اى ايها الملتبس بانوار الربوبية التى كسبت فى الازل ظاهرا وباطنا ايها الممتنع من ان يراك احد بالشهوة وايها الغالب على سلب قلوب الخلائق بالجمال والجلال مسنا واهلنا ضر فراقك وبعد وصالك نحن فى ضر جنايتنا محجوبون عن جمالك وابوك واهاليك فى ضر البعاد عن رؤيتك ووصالك وانشد @ كفى حزنا بالواله الصب ان يرى منازل من يهوى معطلة قفرا @@ مسنا واهلنا الضر من تغيير الله ايانا فى حقك وعتابه فيما فعلنا وايضا مسنا ضر الخجالة بين يديك وجئنا ببضاعة مزجاة بعذر من جنايتنا ما لا يليق بما فعلنا بك بكيل عفوك وتصدق علينا بالتجاوز عما فعلنا فان الله يجزى المتصدقين بانه يعافيك عما هممت به وبان يكرمك احسن الاكرام من لطيف الانعام وما احسن افتقار الفقراء المبتدين عند اكابر القوم وتواضعهم بين ايديهم وتسميتهم باسماء التعظيم كما فعل بنو اسرائيل عند يوسف باءوا بذكر المقاساة والفقر حين رأوا بساطا بسيطا عن ملكه وسلطانه ثم ذكروا قلة بضاعتهم حين شاهدوا هيبة يوسف ومهابته وجلال قدره فلما انبسط اليهم انبسطوا اليه وقالوا { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } فلما طالعوا ان بضاعتهم لا يليق بمثل بساطه نسوه وقالوا { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } فان ما معنا لا يليق بعرض بيعك وشراك فان جزاءك بلا علة وحديث البضاعة والفقر علة طلب الوصال ورؤية الجمال والغرض الكلى ذلك لانهم مامورون بطلب يوسف الا ترى الى قوله { فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ } عرضهم رؤيته ومشاهدته وانشد فى معناه @ وما الفقر من ارض العشير ساقنا ولكننا جئنا بلقياك نسعد @@ هذا يكون من قبل المخلوق فكيف يكون اذا دخلوا عشاق جمال القدم فى بساط الكرم أيش قالوا الا ما قال اخوه يوسف { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } مسنا من ضر فراقك والبعد من وصالك ما يحتملها الصم الصلاب @ خليلى ما القاه فى الحب ان ندم على صخرة ملساء يتعلق الصحن @@ ويقولون جئنا ببضاعة مزجاة من اعمال مغلولة وافعال مغشوشة نفسانية حدثانية ومعرفة قليلة عاجزة عن ادراك ذرة من انوار عظمتك وكل هذا لا يليق بعزتك وجلال صمديتك فاوف لنا كيل قربك ووصالك من بحار فضلك وجودك وتصدق علينا اعطنا من نعم مشاهدتك التى لا تعطيها احداً الا بتفضلك بغير الاعواض بقولك { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } قيل فى هذه الاية تعليم اداب الدعاء والرجوع الى الاكابر ومخاطبة السادات فمن لم يرجع الى باب سيده بالذلة والافتقار وتذليل النفس وتصغير ما يبدو منها ويرى ان ما من سيده اليه على طريق الصدقة والفضل لا على طريق الاستحقاق كان متعمدا مطرودا قال ابو سعيد القرشى فى قوله { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } اى مسنا الضر فى ارتكاب المعاصى وبما اجتمع علينا من الجنايات والمخالفات وجئنا ببضاعة مزجاة بانفس قاصره عن الخدمة واعمال لا تصلح لبساط المشاهدة والنشر فاوف لنا الكيل اى فعد علينا بما لم نزل نعرفه من فضلك واحسانك وتصدق علينا اجعلنا منك بمحل الفقراء اليك الذين يستوجبون الصدقة منك تفضلا وان لم يكن منهم فالحقنا بهم وقال سهل فى قوله { يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } اى ايها المغلوب فى نفسه كما قال { وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } اى غلبنى ويقال استلطفوا بقولهم { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } بعد ذلك حديث قلة بضاعتهم ويقال لما طالعوا فقرهم نطقوا بقدرهم فقالوا { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } ولما شاهدوا قدر يوسف سألوا على قدره وقالوا فاوف لنا الكيل فلما ذكروا حديث الصدقة ترحم عليهم يوسف وهاج سرّه الى اظهار الحال وحيث راى عجزهم وتواضعهم لم يبق له قرار حتى كشف الحال بقوله { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } ليس عرضه تعييرهم بل عرضهم تقريبهم فعاتبهم وذكر صنائعهم به وباخيه تعريفا منه اياهم بانه يوسف لئلا يبقى لهم شك ويعرفوه حق المعرفة ووضع عذرهم بقوله { إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } اى ما جرت فى زمان الجهل والشباب لا تعيير به وتمكن ان سر تلك النفس الامارة فاح فى البين ليوقفهم فى محل الخجالة ثم ادركه الله حتى بين عذرهم بقوله { إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } وهذا كقول بعضهم هل علمتم ما فعلتم بيوسف فى باب العتاب أعظم من كل عقوبة كان يعاقبهم بها حيث احجلهم مشافهة ويقال لما حجلوا بهذا العتاب لم يرض يوسف حتى بسط عذرهم فقال اذ انتم جاهلون فلما ذكر الاشارة اوقع الله فى اسرارهم ان المخاطب هو يوسف فقالوا { قَالُوۤاْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي } فلما عرفوه خاطبوه بخطاب المودة لا بخطاب التكلف قالوا ائنك لانت يوسف فاجابهم ايضا بخطاب المودة تعريفا وتواصلا وتواضعا فقال انا يوسف وانشدوا @ اذا صفت المودة بين قوم ودام ولاؤهم سمج الثناء @@ ويمكن انهم لما عرفوه سقط عنهم الهيبة وهاجت لهم الحمية وما تكلوا بانبساط الاول من حيث القرابية وقوله { أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي } لاظهار صدق الحال ويمكن انه بشير الى تعييرهم حيث قال هذا اخى وما قال انا اخوكم اى الأخوّة الصحيحة ما لم يكن فيها جفاء ويقال هون عليهم حال بديهة الخجلة حيث قال انا يوسف بقوله وهذا اخى فكانه شغلهم بقوله وهذا اخى كما قيل فى قوله تعالى { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } انه سبحانه شغل موسى بسماع قوله وما تلك بيمينك وبمطالعة العصا فى غير ما كوشف به من قوله إلى انا الله ثم رجع يوسف من تعريفه الى الله حيث قال { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ } اى قد تفضل علينا بما وقانا مما وقعتم فيه وايضًا قد من الله علينا بالوصال بعد الفراق وايضا قد من الله علينا بالاخلاق الكريمة حتى تجاوزنا عن ما فعلتم وايضا قد من الله بملك الدنيا وملك الاخرة وايضا قد من الله علينا بالمعرفة والمحبة والرسالة وعلم الغيب والبراهين الساطعة والحسن والجمال الظاهر والمكاشفة والمشاهدة الباطنة ثم بين انه تعالى اذا اراد ان يكرم عبداً الهمه الصبر فى بلائه والتقوى فى عبادة بقوله { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } اى من يتق فى الخلوة عن متابعة الشهوة والوقوع فى التهمة ويصبر عن انقاذ هوى النفس بعد جريان الهمة قال ابن عطاء من يتق ارتكاب المحارم ويصبر على اداء الفرائض فان الله لا يضيع سعى من احسن فى هذين المقامين واعتمد على الله ولم يعتمد سعيه ولا عمله ولما رجع يوسف الى ذكر تفضل الله عليه وعلى اخيه وذكر توحيده اوقعهم الله ذلك الى رؤية توحيد الله بقوله { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } رجعوا الى الله فى اول مقالتهم وذكروا فضله عليه ثم أتوا الى مذمة انفسهم اى اثرك الله علينا بان جعلك مظلوما وجعلنا ظالمين عليك وايضا اثرك الله علينا بالخلق والخُلق والحسن والجمال والملك والشرف والمكاشفة والعلم { وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } اى جاهلين بجاهك قال بعضهم اختارك وقدمك علينا بحسن التوفيق والعصمة وترك المكافاة على الاشارة وان كنا لخاطئين لمسيئين اليك فلما سمع يوسف اعتذارهم ارجع نفسه ونفوسهم الى مقادير السابق ثم استعمل الكرم والظرافة فى الخلق بقوله { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } اى هذا يوم الوصال وكشف الجمال برفع العذاب لا يوم التعيير والتثريب وفى هذه الحالة اشارة الى ان الاولين والاخرين اذا دخلوا فى ساحة الكبرياء وسكت لهم السنة العذر يبسط الله سبحانه اوراق الاقدار التى جرت فى سبق السابق بما كان وما سيكون وتحمل اعمالهم جميعا على مطية القدر ويبرأهم عن الجرائم ويقول من افضاله وكرمه لا تثريب عليكم اليوم فان افعالهم جرت بتقديرى وكيف كنتم تدفعون مقاديرى كانه تعالى يضع العذر على القدر ويغفر لهم جميعا بقوله { يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } بُيّن الجرم وغلب العفو والكرم على العتاب والمؤاخذة قال جعفر لا عيب عليكم فيما علمتم لانكم كنتم مجبورين عليه وذلك فى سابق القضاء عليكم قال ابو عثمان ليس لمن اذنب ان يعاتب مذنبا وكيف اعيبكم وقد سبق منى الهم والاختيار للسجن وقولى اذكرنى عند ربك وكيف الومكم فيما عملتم وانسى ما عملت قال شاه الكرمانى رحمة الله عليه من نظر الى الخلق بعين الحق سلم من مخالفاتهم ومن نظر اليهم بعينه افنى ايامه فى مخاصماتهم الا ترى الى يوسف لما علم مجارى القضاء كيف عذر اخوانه وقال لا تثريب عليكم اليوم قال ابو بكر لما اعتذروا اليه واقروا بالجناية بقولهم وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم وهذا من شرط الكرم ان يعفو اذا قدر ويقبل عذر من اعتذر وقال الاستاذ اسرع يوسف التجاوز عنهم ووعد يعقوب لهم بالاستغفار بقوله سوف استغفر لكم ربى لانه كان اشد حبا لهم فعاتبهم واما يوسف فلم يرهم اهلا للعتاب فتجاوز عنهم على الوهلة ويقال ما اصابهم فى الحال من الخجلة قام مقام كل عقوبة ولهذا قيل فى المثل كفى للمقصر حياء يوم اللقاء ولما فرغ يوسف من كشف حاله مع اخوته ووصاله معهم رتب شغل وصال يعقوب ومن كرمه وجلاله اعطى ووصاله اولا للخاطئين ثم للعاشقين لان الخاطئ ضعيف لا يحتمل البلاء والعاشق قوى يحتمل البلاء ولان يعقوب يرى يوسف كل وقت بعين سره فاحتمل بلاؤه بذلك .