Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 120-128)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } ان ابراهيم كان آدم الثانى خلقه الله على رؤية جمال جميع صفاته واستيلاء انوار ذاته فى ايجاده على كونه فتجلى بقدمه من حيث الذات وبالبقاء من حيث الصفات ومن الاسماء والنعوت برسم الافعال لروحه وقلبه وعقله وسره فصار موجودا بوجوده مشكاة لانواره نورا من تجليه متخلقا بخلقه موجودا بلطفه مقدسا بقدسه خليلا بخلته حبيبا بمحبته صفيا باصطفائيته ملكاً بملكه بصيرا ببصره سميعا بسمعه متكلما بكلامه عينا من عيون الحق فى العالم وشقائق من منابت لطف آدم ما اجتمع فى كل اجتمع فى وجوده مطيعا فى عبوديته حرا فى حنيفيته غير مائل - من جمال الحق - الى غيره { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } @ ليس من الله بمستنكر ان يجمع العالم فى واحد @@ ثم زاد وصفه بمعرفة منعمه ونعمه لاجتبائيته بخلته وتعريفه اياه طريق محبته بقوله { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } شاكرا لأنعمه حيث بذل نفسه لامره ولمراده واسلم فى ذبح ابنه والصبر فى بلائه والرضا بقضائه اجتباه فى الازل بالخلة وهداه الى المعرفة وكمّله بكمال الاستقامة والقانت الذى سكن قلبه مع الله فى مقام الانس والحنيف الذى قلبه مربوط بنعت القدس قال بعضهم { أُمَّةً } اى معلما للخير عاملا به وقيل القانت الذى لا يفتر عن الذكر والحنيف الذى لا يشوب شيئا من اعماله بشرك وقيل فى قوله ولم يك من المشركين لم يك يرى المنع والعطا والضر والنفع الا من موضع واحد قال الواسطى فى قوله شاكرا لانعمه قابلا لقضائه وقسمته قبول رضى لا قبول كراهية قال ابو عثمان الشاكر لنعمه ان لا يرى شكره الا ابتداء نعمة من الله عليه حيث اهّله لشكره واجتباه من بين خلقه وكتب عليه الهداية الى صراط مستقيم عالما ان الهداية سبقت له من الله ابتداء فضل لا باكتساب جهد وكد قيل القنوت القيام بالحق على الدوام والحنيف المستقيم فى الدين ثم وصف كرامته عليه وشرفه بقوله { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } آتيناه فى الدنيا حسنة النبوة والرسالة والخلة والمحبة والمعرفة وانه فى الاخرة لمن الشاهدين لقائه ابدا بلا حجاب فانه بوصف ما ذكرنا يصلح لقربه وجلوته ووصاله ابدا قال بعضهم اتيناه فى الدنيا المعرفة حتى صلح فى الآخرة لبساط المجاورة قال بعضهم اصلح الله قلوب المؤمنين للمعاملة واصلح قلوب الانبياء والاولياء للمجاورة والمطالعة وقال الواسطى هى الخلة لا غيرها تولى الانبياء بخلته خلقهم على ذلك جذبا منهم اليه قال الاستاد اتيناه فى الدنيا حسنة حتى كان لنا بالكلية ولم يكن لغيرنا ثم جعله اماما لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وامته بقوله { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ملّة ابراهيم الخلة والمحبة والرضا والتسليم والسخاء والوفاء والكرم اوحى الى رسوله بمتابعته اذ اختاره بما اختار خليله واجل وافضل بدايته متابعة الخليل ونهايته انفراده فى تجريد التوحيد عن غير الحق بالحق ويقنعنى هذا التادب باداب المشايخ والتواضع للاكابر كما قال الدينورى امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم باتباع الخليل لئلا يانف احد من الاتباع وملة ابراهيم كانت السخاء والخلق الحسن فزاد عليه النبى صلى الله عليه وسلم حتى جاد بالكونين عوضا عن الخلق فقيل له { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } ومن جملة ما امره الله باستعمال الخلق قوله تعالى { ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } اى خاطب الجمهور بلسان الشريعة لا بلسان الحقيقة فان تكلمت معهم بالحقيقة طاشت العقول فيها وبقيت الخلق بلا فهم ولا علم والموعظة الحسنة التى لا حظ للنفس فيها ويكون على قدر عقول الخلق وطاقتهم قال بعضهم خاطب كلا على قدره والموعظة الحسنة فيها ترغيب وترهيب سئل بعضهم لم قدم الله الحكمة فقال لان الحكمة اصابة القول باللسان واصابة الفكرة بالجنان واصابة الحركة بالاركان ان تكلم تكلم بحكمة وان تفكر تفكر بحكمة وان تحرك تحرك بحكمة وقال جعفر الدعاء بالحكمة ان تدعو من الله الى الله بالله والموعظة الحسنة ان ترى الخلق فى امر القدرة فتشكر من اجاب وتعذر من ابى وفى قوله { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الجدال الحسن ان تدنيهم الى الله بالله تعرف ذاته وصفاته بما وجدت من كرمه ولطفه وشفقته ورحمته على خلقه قال بعضهم هى التى فيها من حظوظ النفس شئ ولا يرى انه الممتنع من قبول الموعظة فيغضب عليه { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } فلا ينجح فيه قولك { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } الموفقين الذين شرحت صدورهم لقبول ما ايّدت به قال سهل السبيل الذى امر الله تعالى نبيّه عليه السّلام ان يدعو اليه هو الايمان بالله فانه طريق ممدود من الدنيا الى الآخرة وزاد تعالى تاكيدا باستعمال الكرم والخلق والعفو والصبر بقوله { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } دفع الانتقام لحظة النفوس واجاز الانتقام له لا لغيره والصبر فى المكاره والامتحان منتهى مقام المجتهدين الاوّل يتعلق بمقام المبتدئين والصبر يتعلق بمقام الراضين المريد منغمس فى امور الشريعة والعارف مستغرق فى بحر الربوبية الادب شعار المريدين والرضا مقام المختارين قال الجنيد فى قوله { وَلَئِن صَبَرْتُمْ } ولم تعاقبوا { لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } التاركين العقوبة التى اباح العلم فعلها بالادب الذى يتبعه بالامر ويلزمه بالترغيب انه خير للصابرين ثم بين سبحانه ان ذلك الصبر الذى هو خير للصابرين لا يكون الا بالله بقوله { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } اى صبرك فى بلائه لا يكون الا بكشف جماله لك وايضا اى ما صبرك الا بعد تخلقك بصبره وايضا وما صبرك الا بالله الله عوض صبرك وايضا صبرك بالله لا بنفسك فان بلاءه لا يحتمل الا هو وقال الواسطى فى هذه الآية اخبر بانه هو الذى تولاهم بحجبهم عند المعاينة فى الحضرة عن الحضرة وهم ثلاث طوائف عند اللقاء طائفة تسرمدت بقيومية دوامه وازليته فلم تجر عند اللقاء عليها افة باتصال انوار السرمدية بانوار الابدية ، وطائفة لقيته فى زينته وحسن نظره واختياره فقهرهم فى نعمته وحجبهم بكرامته فهى متلذذة بنعمه محجوبة عن حقيقته ، وطائفة يثبت شواهد طاعاتها وزهدها فقال لهم مرحبا بمقدمكم فحجبهم فى نفس ما خاطبهم وقال ابن عطا يامره ويبرئه وقال جعفر امر الله انبياءه بالصبر وجعل الحظ الاعلى منه للنبى صلى الله عليه وسلم حيث جعل امر صبره بالله لا بنفسه فقال وما صبرك الا بالله قال النورى فى هذه الآية هو الصبر على الله بالله قال الاستاد واصبر تكليف وما صبرك الا بالله تعريف ويقال واصبر تعنيف وما صبرك الا بالله تخفيف واصبر امر بالعبودية وما صبرك الا بالله اخبار عن حق الربوبية ثم اخبر سبحانه بان لا تنظر الا الى سوابق التقدير حتى لا تحزن على موارد التدبير بقوله { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } اى انظر الى مرادنا منهم ولا تنظر الى مرادك منهم فان امر الربوبية سابق على امر العبودية قال ابن عطا كان النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يضيق بهم صدرا ولكن الله تعالى حذره ما هو موهوم فى البشرية وان كان هو منزها عنه قال الاستاد طالع التقدير فيا لا تجعله حظرا عندنا لا ينبغى ان يوجب اثرا فيك ومن اسقطنا قدره فاستصغر قدره وامره ثم تسلى قلب نبيه صلى الله عليه وسلم بانه تعالى مع كل متق صادق شاهد محسن بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } اى مع الذين عظموا الله برؤية عظمته واجلوه باجلاله وتبرؤا به عن غيره وهم فى حال الاحسان فى جمال مشاهدته هائمون فى بهاء وجهه وانوار قدمه فهو معهم من حيث لا هم افناهم به عن وجودهم ثم ابقى نفسه لهم بعد فنائهم عنهم فيه له قال الجنيد رايت ملكا من الملائكة يقول لى كل من كان مع الله فهو هالك الارجل واحد قلت ومن هو قال من كان الله معه وهو قوله ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون قال بعضهم من اتقى الله فى افعاله احسن الله اليه فى احواله وعن على بن موسى الرضا عن ابيه عن جعفر قال التقوى مع الله والاحسان الى خلق الله قال الواسطى التقوى كيف اتقى وماذا يتقى ولماذا يتقى وقال الاستاذ الذين اتقوا رؤية البصيرة من غيره والذين هم اصحاب التبرى من الحول والقوة والمحسن الذى يعبد الله كانه يراه وهو حال المشاهدة .