Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 272-273)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } قطع اسباب الهداية من المعاملات والشفاعات عن قلوب اهل الولايات واضاف كلايتهم الى نفسه بانه هاديهم { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } اى لانفسكم جزاء ما تيممتم من مقامات المجاهدات بصوركم والى من اعمال قلوبكم من الم الفراق واحتراقها بنيران الاشواق كما قال عليه السلام حاكيا من الله عز وجل " كل عمل ابن ادم له الا الصوم فانه لى وانا مجازيه " وايضا لانفكسم جزاء معاملاتكم ولي التفضل الأفضل به عليكم لا باعمالكم وافعالكم لان خاصية الفضل لى لا يدخل فيه على العبودية قوله تعالى { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الذين حبسوا انفسهم عن الميل الى غير الله فى مجلس مراقبة الله ناظرون من الله الى الله وراضون بقضاء الله فى مراد الله صابرون فى بلاء الله محتسبون لله فى مجاهدة انفسهم لا ينقضون عهود ميثاق الازل الى الاجل اى للذين وصفهم الله تعالى بإحصان نفوسهم عن التعرض الى غير الله بالرمز والاشارة واسوال غيره على احوالهم وصونا لاسرارهم ومراعاة لحقيقة فقرهم وعفة فى مجاهدتهم خدمة اهل الدنيا ببذل المال والانفس ليلا ونهارا { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ } اى لا يتفرقون عن مجالستهم ومراقبتهم من قوة الحال وغلبة الذكر عليهم واشتغالهم بمشاهدة سيدهم وشدة محبتهم وكثرة عشقهم وحقيقة يقينهم بربهم لطلب معاشهم وحوائجهم لانه قد غلب عليهم صحة التوكل وحسن الرضا وحقيقة التسليم وهم كانوا يفوضون جميع امورهم الى الله ويسكنون بقصده لانه منان اوليائه واهل طاعته اهل الثناء والمغفرة بحفظ اوقاتهم عن الخطرات والزلات { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } لانهم لا يتملقون عند ابناء الدنيا بكلام اللين واظهار التقشف ولا يظهرون احوالهم لاجل الرياء والسمعة شفقة باحوالهم مع شدة افتقارهم الى الله وصف الجاهل بقلة المعرفة باحوالهم لان العالم يعرفهم بنور العلم والايمان { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } بشارة مشاهدة الحق فى وجوههم وبهجة نور المعرفة فى قلوبهم لان الله تعالى اسبل على وجوههم نقاب سناء الصفات والبس جباهم نور جمال الذات اى تعرفهم بهذه الصفات لانهم الاتقياء الاخفياء الذين لا يركنون الى الخلق بسبب الدنيا وزينتها ولذتها وانهم من اهل المحبة الذين يبتلون بانواع البلايا وهم صابرون محتسبون لله وفى الله { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } اى لا ينبسطون الى اهل الدنيا ولا يبغون حظوظ انفسهم من الخلق ولكن ينبسطون الى الاخوان فى الله تلطفا بهم وتعطفا عن الميل الى مالوفات الطبع والهوى وايضا للفقراء الذين احضروا فى سبيل الله وصف الله تبارك وتعالى اهل حقائق المعرفة ونعتهم بالفقر اى انهم حبسوا فى صحارى التوحيد وتيه التقديس باصفار التحير والزموهم تراكم لطمات بحار الوحدانية واغرقوهم فى سر العظمة مفتقرون من عين التلوين الى عين التمكين لا يستطيعون من ثقل احمالهم مسيرا من الحيرة الى روية المنة وكشف القربة فى ارض الديمومية والطيران عن اشكال الحدوثية فى اسرار الهوية القدمية وان الله تعالى كشف لهم عن بساط العظمة واراهم نقوش صور غيب الغيب التى التبس الحق بها بنعت الرضا عن الصفاق فيتحيرون بين الرسم والصرف تحير استاصل لباس الحدوثية عن نفس ارواحهم فاذا برزى بهذه السمات من بطنان عجائب الغيب يحسبهم صبيان الملكوت انهم فى جمال بسط الديمومية ولا يعرفون شان قبضهم لانهم فى طيب مزمار الاحسان يحتجبون به عن ادراك احوال المحترقين بنيران الكبرياء لكن يعرف من غير وراء الوراء وقطع حجب رسوم العبودية والربوبية انهم مفتقرون الى مشاهدة حسن الحسن ومكاشفة قدم القدم والجمع بنعت الاتحاد لا يظهرون مع عجزهم احوال تحيرهم واحتياجهم لاهل التمكين غيرة على اهل الانبساط لكن تحترقون فى الباطن ويستبشرون فى الظاهر هؤلاء مرضى المحبة واسرار المعرفة يلعنهم الله مقام التفرقة بنعت الجمع وقيل احصروا فى سبيل الله الذين وقفوا مع الله بهممهم فلم يرجعوا منه الى غيره وقيل لا يستطيعون ضربا فى الارض اى لا تحركون لطلب الارزاق وقال محمد بن الفضل فى هذه الآية يمنعهم علو همتهم عن رفع حوائجهم الا الى مولاهم وقال ابن عطاء يحسبهم الجاهل بحالهم اغنياء فى الظاهر وهم اشد الناس افتقار الى الله تعالى فى الظاهر فاستغنائه فى الباطن وقيل فى تعريفهم بسيماهم اى فى تطييب قلوبهم وحسن جالهم وبشاشة وجوههم ونور اسرارهم وحولان ارواحهم فى ملكوت ربهم وقال سهل ان الله عز وجل وصف الفقراء بصفة القدم من حال سوال الافتقار واللجاء اليه ووصفهم بالرضا والقنوع لا استطاعة لهم الا به ومنه ولا قوة لهم من حولهم وقوتهم قد نزع الله منهم سكون قلوبهم الى غيره والمساكين راجعون الى الاسباب كما وصفهم الله مساكين يعلمون فى البحر فردهم الى حال السكون الى الاسباب لذلك قال بعضهم الفقر عز والمسكنة ذل وقال عمرو والمكى من احب شيئا كان به ضنينا من احب شيئا كان به انيسا ومن احب شيئا كان له اثيرا وقال النصرابادى الفقير ينبغى ان يكون له قناعة وعفة ويتبرز بالقناعة ويرتدى بالعفة لان النبى صلى الله عليه وسلم قال " القناعة مال لا ينفد " فاذا كان الفقر بهذه الصفة دخل فى جملة حديث النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الفقراء الجنة قبل الاغنياء بخمسمائة عام وقال الثورى تعرفهم بسيماهم يفرحون بفقرهم واستقامة احوالهم عند موارد البلاء عليهم وقال ابو عثمان تعرفهم بسيماهم بايثار ما يملكون مع الحاجة اليه وقال الجنيد كلت السنتهم عن سؤال من تملك الملك فيكف من لا يملكها قال الجنيد وسئل عن الفقير الصدق متى يكون مستوجبا لدخول الجنة قبل الاغنياء بخمسمائة عام قال اذا كان هذا الفقير معلا ملا لله بقلبه موافقا له فى جميع احواله منعا وعطاء بعد الفقر من الله بنعمة عليه يخاف على زوالها كما يخاف الغنى على زوال غناه وكان صابراً محتبساً مسروراً باختيار الله له الفقر صائناً لدينه كاثمار لفقره يظهره الاياس من اليأس مستغنياً بربه فى فقره كما قال الله تعالى للفقراء الذين احضروا والآية فاذا كان الفقير بهذه الصفة دخل الجنة قبل الاغنياء بخمسمائة عام ويكفى يوم القيامة مؤنة الموقف وقال الاستاذ فى قوله للذين احضروا اى اخذ عليهم سلطان الحقيقة كل طريق لهم فلا لهم فى الشرق مذهب ولا لهم فى الغرب مشرب كيف ما نظروا راوا سر ذوقات التوحيد محدقة بهم كان فجاج الارض ضاقت برحبها على فما تزداد طولا وعرضا .