Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 5-14)

Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } ذكر سبحانه قبل هذه الآية خلق السمٰوات والارض ولم يقل انه خلق العرش وفيه اشارة أن قوله سبحانه عن احاطة الحدثان به الرحمن على العرش استوى يشير الى ان عرشه جلال قدمه وازلية ذاته وصفاته استوى بنفسه فى علم العلم وغيب الغيب وهذا الاستواء خصوصية تجبره وتكبره بنفسه حين لا عين ولا حيث ولا اين ولا غير وهكذا جميع الأحايين قبل الاكوان وبعد الاكوان وفى الاكوان اذ الاكوان والحدثان قاصرة عن حمل ذرة من كبرياء عظمته والازمان مضمحلة عن حصر صفاته وازليته وديموميته وايضا ان الله سبحانه لما اراد ايجاد الكون خلق بظهور نور قدرته عالما وسماه العرش من كورشعشاني وجعله موضع نور العقل البسيط وجعل العقل البسيط موضع فعله الذى يصدر من القدرة من ذلك الفعل عالم طلوع انوار القدم عليه فاذا تجلى بذاته لصفاته ومن صفاته لفعله ومن فعله للعقل البسيط ومن عقل البسيط لعالم العرش فصار كل ذرة من العرش مراة يتجلى الحق منها للعالم او العالمين فتنذر قطرات ديم الفعل من فيض انوار الصفة والذات من عالم العرش الى العالم والعالمين على النظام والتسرمد وابتسام صبح الازلية من اشراق شمس الالوهية على عالم العرش بهذه المثابة وانتشر بركنها فى الاكوان والحدثان وهذا تحصيل علوم سر الاستواء ويا عاقل اين العرش وان كان الف الف عرش من سطوات كبريائه التى لو برزت ذرة منها بنعت القهر فى العالم لفنيت كلها قبل ان يرتد اليك طرفك فهو مستوى بغير علة اعوجاج الحدثية بوصف قهر القدم على كل مخلوق والكل تحت قهر جبروته وان كان عالم العرش اعظم ميادين تجلى استوائه هو خاص بتجلى الاستواء والاستواء صفة خاصة لله منزه عن ادراك الاوهام ومقاييس العقول تعالى الله عن مماسة الحدثان وملاصقة الاكوان وسئل مالك بن انس كيف الاستواء قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وقال فارس ليس على الكون من الله اثر ولا من الكون على الله اثر وقال ابن عطا الاستواء اظهار المقدرة لإمكان الذات فاذا جاوزنا من هذه المقالة فجرم العرش اعظم من كل جرم ولكن اذا استولى عليه قهر الربوبية كاد ان يذوب من صولته فأمسكه يد اللطف لتكون رفارف ارواح القدسية وبساتين عقول الملكوتية فسكن بلطف الله من الاضطراب من قهر الله ثم صرف الحق عنه تلك الصولة لما علم ضعفه عن دار الالوهية فطلب فى ملكه وسلطانه عرشا معنوياً روحانيا ملكوتيا رحمانيا جبروتيا وذلك قلب العارف الصادق الذى خلقه الله من نور بهى صدر من تجلى صفة بهائه وذلك عرش المعنى الذى من وسعه يبسط نور الازلية فيه على مثابة من قدرة الحق ان لو كان العرش ما تحته يقع فيه كون اقل من خردلة فى فلاة وذلك مشرق طلوع شمس الذات وقمر الصفات فاذا غلب سلطانها عليه ظهر ضعفه تحت اثقال الالوهية فيبرز نور اللطف فى قضائه فيبسطه بساطاً لا نهاية له ويصير مبسوطاً يبسط التجلى حتى يكون مستقيما متمكنا فى رؤية تجلى الحق فاذا صار انوار التجلى عليه بنعت الاستدامة ظهر علم سر الاستواء من وحاشا ان القلب حامل الذات والصفات هو بجلاله منزه عن الورود على الحدثان لكن هو طور التجلى يحمل اثقال تجلى الحق بالحق لا بنفسه انظر الى قول النبي صلى الله عليه وسلم كيف قال حكاية عن الله عز وجل " لم يسعنى السمٰوات والارض ويسعني قلب عبدى المؤمن " ويا عاقل كيف يحمله الحدث وهو منزه عن الحلول الله الله هو منزه ايضا ان يكون هو محل الحوادث للقلب يحمله به لانه هو بذاته حامل القلب بالوصف والصفة ألا ترى الى قوله عليه السلام " القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء " هو مع الكل بالعلم والكل معه بالعلم والقدرة وهو منزه قائم بذاته تعالى الله عن كل وهم وخاطر وقال ابن عطا استوى لكل شيء فليس شئ اقرب اليه من شئ وقال بعضهم استوى له السمٰوات والارض ما فيهن بشرط العبودية قال الاستاذ عرشه في السماء معلوم وعرشه فى الارض من قلوب الله التوحيد وعرض السماء مطاف الملائكة وعرش الارض مطائف الطائف فاما عرش السّماء فالرحمن عليه استوى وعرش القلوب فالرحمن عليه استوى عرش السماء قبلة دعاء الخلق وعرش الارض محل نظر الحق فشتان بين عرش وبين عرش ثم مع هذه الآية وعقيبها جمع الله سبحانه علومه القديمة المحيطة بالحدثان من فوق العرش الى ما في تحت الثرى وذلك قوله { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } اخبر عن علمه وملكته كعاً بما فوق العرش وما تحت الثرى وما بين العرش والثرى من اطباق السمٰوات وما بينهن واطباق الارضين وما بينهن فذكره تعالى استوى على العرش اخبار عن قهر سلطانه وبنعت الاستيلاء على اعظم خلقه ومن علمه بما فوق العرش من علم الغيب وغيب الغيب وما تحت العرش الى الثرى من علومه الغيبية فى بطون افعاله وما تحت تحت الثرى من اسرار ربوبيته اى ان الكون استغرق فى بحار علمه وقدرته وارادته بالمثل كخردلة فى البوادى او كخلقة فى البحار وسلطان كبريائه محيط بجميع ذراته فالكون كالكرة فى ميادين عظمته عند صولجان قدرته يضرب بها تلك الكرة فى كل لمحة الف مرة ويذهب بها من الازال الى الاباد ومن الاباد الى الازال والله ان من وقت ما خلق الله الكون يتحرك الكون فى طلب ما يتعلق به من نور فعله وما ادرك فكيف يدرك انوار الصفة واذا لم يكن مدرك انوار الصفة كيف يدرك عزة الذات واين الكون من ادراك وحدانية القديم ولحوقه بجلال مجد ذاته بل هو صاغر حقير فى قبض جبروته لا مصرف له ينصرف اليه منه ولا مخرج له منه فيخرج من تحت قهره بل كذرة تبن على جناح الرياح العواصف والصرصر القهار تذهب بها ولا تعرف اين تذهب الا ترى الى قوله عليه الصلاة والسّلام " الكون فى عين الرحمن اقل من خردلة " ثم أعلم الخلق ان الكل له فلا ينبغى للعالم به ان يطمع فى غيره حتى لا يشوب قلبه بالشرك الخفى قيل : له الملك كله فمن طلب البعض من الكلى من غيره فقد أخطأ الطلب ثم اخبر عن عظيم جلال علمه بمكنون الاسرار وخفى الاضمار بقوله { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } افهم ان للطبيعة سراً ولذلك السر سر النفس سر ولذلك السر سر والقلب سرّ ولذلك السر سر والعقل سر ولذلك السر سر وللروح سر ولذلك السر سر وللسر سر ولذلك السرّ سرّ ولسر السر سر ولذلك السر سر اما سر الطبيعة اضمار الميل الى طلب ما تقوم به من فيض العناصر وسر السر نداء فعل الحق الى الطبيعة بنعت جذبها الى طلب حظها وهو الخفى من ذلك السر واما سر النفس فهو حديثها الخفى الذى يصدر منها فى غيب الخواطر لطلب هواها وسر ذلك السر نداء القهر اياها بنعت جذبها الى طلب الهوى وهو اخفى من سرها واما سر القلب فهو حديثه الخفى الذى يصدر منه لطلب مزيد الصفاء من فيض الذكر وسر ذلك السر قرع الملك باب سره بنعت تحريكه الى طلب مزيد الذكر وذلك الهام خفى واخفى من سر الاول واما سر العقل فهو حديثه مع القلب والروح بما يبدو له من حقائق احكام الربوبية فى الشواهد وسر ذلك السر بهجة نور فعل الخاص التى هى داعية العقل الى مشاهدة حقائق الاشياء وذلك السّر اخفى من سر الاول واما سر الروح فهو حديثها مع العقل بما يسمع من الهام الخاص الإلهى لزيادة شوقها الى معادنها وسر ذلك السر ما يبدو لسر الاول من برق سنا لصفة بنعت الكشف مع تعريف امر العبودية والربوبية وذلك اخفى من سر الاول واما سر السر فهو حديثه الخفى فى بطنان غيب الخاطر فى مشهد الملكوت مع الحق حيث يكون محتجبا عنه بنعت التضرع لطلب مشاهدته وسر ذلك السر وقوع كلام الحق على مجارى الصفة له فى الغيب وهو يسمع ولا يبصر وذلك اخفى من سر الاول واما سر سر السر ما يكون وراء الحجاب فوق الملك والملكوت مشاهد الجبروت ومعاين الذات يرى عجائب انواره وحقائق اسرار صفاته وذاته فيعرف منه به ويسمع منه بلا واسطة ويقول معه بطلب منه بلسان الافتقار مزيد قرب المقرب ودنو الدنو حتى يقع فى بحار الالوهية فلا يرى ولا يعرف فهو أسرّ الاسرار واخفى الخفيات فالطبيعة لا تطلع على سر النفس والنفس لا تطلع على سر القلب والقلب لا يطلع على بعض سر العقل والعقل لا يطلع على بعض سر الروح والروح لا يطلع على سر السر والسر لا يطلع على سر سر السر لانه مقام ما اخفى من السر ولا يطلع على جميعها الا الله سبحانه من الخلق والخليقة لا الملائكة المقربون والا الانبياء المرسلون الا ما يكشف الحق لهم من ظاهر الاسرار قال تعالى { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } وباطن هذه الاسرار لا ينكشف لاحد غير الله لانه مما استأثره لنفسه ولا يطلع عليه غيره وحاصل الحقيقة من معنى الآية ان السر ما فى صفاته وما اخفى ما فى ذاته قال الصليحي السر ما طالعه الحق ولا يطالعه الملك ولا الشيطان ولا يحس به النفس ولا يشاهده العقل وهو فى الاضمار لم تحوه الهمم ولم تدبره الفطن وهى فى لباب لب القلب من حقائق للحضرة من خطرات الالهام كشرر النار الكامن فى الشجر الرطب حتى تمثله الارادة والمشيئة والأحكام فيقتل فى الاحوال فهذا هو السر وما هو اخفى فما لم تحس فلم تطالع لا يعلمه الا الله فهو أخفى من الحقائق فاذا ظهر معلومه ابدا علمه وقال الواسطى السر ما خفى على العباد والذى هو اخفى ما لم يقل له { كُنْ } قال الجنيد يعلم سره فيك واخفى سره عنك وقال جعفر الصادق السر موضع الارادة واخفى موضع الخطرة والمشاهدة وقال الاستاذ النفس ما تقف على ما فى القلب والقلب لا يقف على اسرار الروح والروح لا سبيل له الى حقائق السرّ والذى هو اخفى من السر فما لا يطلع عليه الا الحق ويقال الذى هو اخفى من السر لا يفسده الشيطان ولا يكتبه الملكان ويستأثر بعلمه الجبار ولا يقف عليه الاغيار ولما تفرد بنفسه بالاطلاع على السر والخفيات نفى عن ساحة كبريائه من لم يستحق للفردانية الازلية والعلم الشامل باسرار الحوادث وخفيات الضمائر ووصف نفسه بذلك وقال { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } فمعانى الاسماء بالحقيقة سر من حيث يعبر حقائق الصفات وما فى الذات من علوم القدمية واسرار الازلية وهو اخفى من سر الاسماء اخبر سبحانه حبيبه من اسراره التى بينه وبين كليمه موسى وتلك الاسرار اعجب العجائب اغرب الغرائب من علوم اسراره وحقائق انواره بقوله { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } ما اطيب ذكر قصة الكليم للحبيب خص ان الحبيب الاكبر ذكر حال الكليم للحبيب لان الحبيب يستأنس بسميّه من الاحباء لذلك قص الله قصة الانبياء لحبيبه ثم بين بدو حال كليمه بقوله { إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } لما كمل كليم الله كمل فى الارادة ودخل فى الارادة ودخل من الارادة الى مقام المحبة ترك الوسيلة الصغرى وهى خدمه شعيب ووقع فى الوسيلة الكبرى وهي رؤية النار فى الشجرة وتلك بداية مكاشفته وسماع خطاب الحق سبحانه فوقعت مكاشفته قبل الخطاب وهو مقام الكبرياء فى المعرفة ثم وقع بعد ذلك فى بحر الخطاب وذلك قوله سبحانه { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } فاذا اراد الله ان يعرفه مقام رؤية الصفات فى الافعال تجلى بجلاله لكسوة النار ثم تجلى من كسوة النار لكسوة الشجر ثم تجلى من الشجرة لموسى وذلك مقام اسرار الالتباس الذى يجذب بالحق عشاقه الى معادن الالوهية ليصيروا بعد ذلك موحدين فرباهم فى البداية فى مقام العشق برؤية انوار الصفات فى الافعال حتى لا يفنوا بالبديهة فى سطوات عظمته ولو يريهم صرف عيان الذات يصيرون مضمحلين فى انوار قدسه جعل الشجرة مرآةً للنار وجعل النار مرآة للنور وتجلى منها لموسى فراى موسى نيران الكبرياء وانوار البقاء من شجرة القدم فانجذب الى قرب مغناطيس الصفات وراى لطائف مشاهدات الذات كأنه هو فى رؤية المعانى وظن انه فى صورة الامانى فاتاها بنعت الشوق وتحير فى شأن الامر وطالب نفسه اين هو وما علم انه فى كنف الوصلة وبساط القربة فدار حول الشجرة برسوم العلم ولهكذا حال من كوشف له حقائق الحقيقة بالبديهة فلما غاب فى الغيب فى طلب الرب ناداه الحق وقال ايش الطلب انا ربك اى ما ترى يسرك وروحك وعقلك فهو جمال ربك وان كنت فى تلبيس الفعل والصفة لو تريد ان ترانى صرفا فاخلع نعليك اى نعلى الكونين فانك بالواد المقدس وادى الازل المقدس عن غبار الكون والحسبان وانفاس النفس والشيطان ولا يبنغى ان تأتى قدس القدم باثار اهل العدم حتى يطوى لك وادي الآزال والأباد وينكشف سرائرها لهمتك وقلبك وروحك وسرك وايضا اى خرج انت منك حتى تصل بى فانا لمن لم يكن لنفسه قال الواسطى فى قوله اذ راى نارا موسى خطرات به حسه الحظوظ فى اخذ نار فنال النور فلا ينبغى لاحد ان ييأس من نفسه فقد حوله من شاهد الحط إلى شاهد الحق قال جعفر قيل لموسى كيف عرفت ان النداء هو نداء الحق فقال لانه أفنتني وشملتني فكأن كل شعرة متى كان مخاطبا بنداء من جميع الجهات وكأنها تعبر من نفسها بجواب فلما شملتني انوار الهيبة واحاطت بى انوار العزة والجبروت علمت انه تخاطب من جهة الحق ولما كان اول الخطاب انى ثم بعده انا علمت انه ليس لاحد ان يخبر عن نفسه باللفظتين جميعاً متتابعا الا الحق فادهشت وهو كان محل الفناء فقلت انت انت الذى لم يزل ولا تزال ليس لموسى معك مقام ولا له جرأة الكلام الا ان تبقيه ببقائك وتنعته بنعوتك فتكون انت المخاطِب والمخاطَب جميعا فقال لا يحمل خطابى غيره ولا يحييني سواي انا المتكلم وانا المكلم وانت فى الوسط شبح تبع بك محل الخطاب وقال الشبلى فى قوله اخلع نعليك : اخلع الكل منك تصل الينا بالكلية فتكون ولا تكون فيتحقق فى عين الجمع يكون اخبارك عنا وفعلك فعلنا قال ابن عطا اخلع نعليك اعرض بقلبك عن الكون فلا تنظر اليه بعد هذا الخطاب قيل اخلع نعليك فانك بعين موجدك وقال جعفر اقطع عنك الخلائق فانك باعيننا وقال ابن عطا اى أسقط عنك محل الفصل والوصل فقد حصلت فى واد القدس وهو الذى يظهرك من الاحوال اجمع ويردك الى محولهما عليك وقال الاستاذ افرغ قلبك عن ذكر الدارين وتجرد للحق بنعت الانفراد اما الفرق بين قوله انى وبين قوله انا وبين قوله وربك فانى اشارة الى اصل الذات وانا اشارة الى كشف الصفات وربك إلى اعيان الذات والصفات فى الافعال وقال بعضهم إني اخبار وانا اظهار وربك تذكار وقيل انى معرفة وانا توحيد وربك ايمان وقيل بقوله انى إفناؤه وبقوله انا ابقاؤه وبقوله ربك إيواءه وقيل إني لقلبه وانا لروحه وربك لنفسه وقد وقع لى لغز آخر : إني اشارة الى امتناع ذاته عن ادراك الخليقة وانا ابراز علوم حقيقة صفاته وربّك ظهور مشاهدة تجلية الذى هو سبب تربية موسى رباه يتجلى ربوبيته فى لباس فعله ثم اخبر سبحانه انه اختاره لمكان وحيه وخاصية رسالته واصطفائيته بسماع كلامه القديم حتى يكون خالصا من جميع البريات ويكون منفرداً في العبادات بقوله { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } اختاره فى الازل لمحبته والشوق الى لقائه ومعرفته بفردانيته ويكون الحق سبحانه سميره فى مناجاته وظاهرا بوصف الربوبية وتجلى العظمة لمشاهدته ومراده سبحانه بقوله فاستمع لما يوحى جمع همته وحضور قلبه وسكون سره وهدوء روحه عند جريان الخطاب حتى لا ينفك منه خاطر يشتغل بغيره من العرش الى الثرى ليكون علمه اشمل ومعرفته اكمل وحاله اصفى ووقته اشفى ووجده اوفى لانه كان فى مشاهدة عرض جلال القدم وفى لجج بحار الكرم حيث قال سبحانه { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ } قوله اننى خبر عن بطنان اولية القدم وانا خبر عن شهود ذاته وصفاته على الاسرار والارواح والقلوب بنعت غيبتها عنه وقوله الله ظهور الذات والصفات لشهود الارواح والاسرار والقلوب والعقول كشفا وعياناً وبيانا فاذا اعلمه حقيقة ربوبيته استدعى منه العبودية الخالصة عن كل كدورة بشرية وخاطر شيطانى بقوله { فَٱعْبُدْنِي } الزم عليه حتى حق الربوبية للعبودية اى تشريف اشرف مما الزم عليه من حقوق الوهيته وجعله موضعها ليكون فرداً بعبوديته كما كان سبحانه فرداً له باظهار جماله له واسماع كلامه اياه واراد سبحانه ان يلبسه انوار الربوبية فى مكان عبوديته حتى يصيره متصفا بصفاته متحدا بمحبته مستغرقا فى جمال اوليته وآخريته ليخرج منها بوصف الازل والابد لا بوصف الحدث ثم بين أن الصلاة اعلام عبوديته ومواقع شهود مشاهدته ولطائف حقائق ذكره ومناجاته بقوله { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } البيان هو الذكر ومزيد الذكر وحقيقة المراد استغراقه فى بحار مشاهدة المذكور لان الصلاة موضع شهود الاسرار على الانوار وكشف الجمال للارواح لترقيها بنعت شكرها فى عالم الافراح قال الواسطى فى قوله وانا اخترتك والمختار من جهة من هو مصطنعه ومصطفيه ومربيه على يد أعدائه والملقى محبته فى قلوب عباده فلم يستطيعوا له الا محبة والمطلق لسانه بحل العقد والميسر له امره فلا يعسر عليه مطلوب بحال كل هذا يقدم اليه وبمن به عليه ليكون ثابتا عند مكافحة الخطاب ومواجهة الوحى والكلام وقال فى قوله { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي } لا تشغل قلبك بغيرى قولاً وفعلاً ولا تكن من ابناء الافعال والاحصاء والاعمار والدهور وكن من ابناء الازل والابد مطلعا لما سبق من الاولية وجرى لك فى الآخرية وان كان كلاهما واحدا قال ابن عطا اشارة الى حقيقة الحق اذ الازل والابد علة وذكر الاوقات والدهور علة قال الواسطى اظهر هذا الخلق فى شموخ وعلو فى انفسهم فامرهم لعلة الفاقة لا لعلة الاستغناء تبسما لرؤية الاضطرار قال يا موسى اننى انا الله لا اله الا انا فاعبدنى احب ان يريه عجزه وقال ايضا بالعبرانية خاطب موسى ثم وصف لمحمد صلى الله عليهما وسلم بقوله اننى انا الله لا اله الا انا هل تلونت الصفة بذلك قال لو لونتها اختلاف اللغات لتلونت فى اختلاف الاوامر والنواهى وقال ابن عطا فى قوله واقم الصلاة لذكرى اقم معى بحسن الادب ولا تغفل عنى وانت متوجه الى وقيل فى قوله فاعبدنى وحدنى على الشهود كما عرفتنى بالوجود ودع عنك الرسوم والحدود فلا حد الا حده ولا عبد الا عبده وقال الاستاذ فى قوله واقم الصلاة لذكرى اقامتها من غير ملاحظة مجريها ومنشيها تورث الاعجاب واذا اقام العبد صلاته على نعت الشهود والتحقق بان مجريها غيره كانت الصلاة لهذا افتتح باب المواصلة والوقوف فى محل النجوى والتحقق بخصاص القرب والزلفى .