Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 45-53)

Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } الاشارة فى الاية ان للعارفين فى مقام المراقبة والمحاضرة ثلاث مقامات مقام كشف انوار الفعل وكشف انوار الصفة وكشف انوار الذات فاذا ذهب ظلام ليالى الطبيعة من عالم الغيب وتلاشى دخان النفس الامارة وصار سماء الروح وهواء العقل وارض القلب صافية عن عللها وظلمات هواها ولم يكن هناك شمس الذات وانوار الصفات يمد الحق سبحانه ظلال بهاء فعله فى ولاية القلب على مقادير تربية اسراره فلما قويت الاسرار بظلال فعله يطلع عليها انوار الصفات فلما قويت بانوار الصفة يطلع عليها شمس الذات فرباه أولاً فى ظل الفعل ثم قواة بنور الصفة ثم كشف له جلال الذات حتى صار مكاشفا مشاهدا عين الحقيقة واصل الاصول وهناك محل الفناء والبقاء ومقام الخطاب الصرف وظهور اسرار الربوبية فالاول ظل العناية والثانى مقام الولاية والثالث مقام المشاهدة التى هى قبلة الكلية بجميع الانبياء الصديقين والمقربين ومنتهى مامول الراغبين هذه مسالك جميع السالكين ولسيد العالمين عليه الصلاة والسلام فى ذلك خاصية لم يكن لاحد فيها نصيب وذلك انهم يسلكون من مقام مشاهدة نور الفعل الى مشاهدة نور الصفة ثم الى مشاهدة نور الذات وهو عليه السلام فى اول حاله شاهد العين ثم شاهد الصفة ثم شاهد الفعل رحمة للعالمين ولو بقى فى مقام الاول لما استمتع به الخلق فى متابعته الا ترى الى قوله سبحانه لحبيبه عليه السّلام الم تر الى ربك اشهده ذاته وابرز له صفاته ثم أحاله الى رؤية الفعل بقوله كيف مد الظل لئلا يفنى فى سطوات عظمة ذاته وصفاته فلما ضاق مكانه فى رؤية الفعل وطالب الاصل وشق عليه الاحتجاب به عنه كاشف الحق عنه ضرار الفعل وابرز له مشاهدة ذاته بقوله { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } اى خفيا سريعا ولولا فضله ورحمته فى قبضه خفيا يسيراً لاحترق الكل فى اوّل بداهة طلوع الجمال والجلال على قلوبهم وهو تعالى خاطب الجمهور برؤية فعله وخاطب حبيبه برؤية ذاته وصفاته وهنا كما قال الواسطى اثبت للعامة المخلوق فأثتبوا به الخالق واثبت للخاصة الخالق فاثبتوا به المخلوق ومخاطبة العام الم تر ان الله يزجى سحابا وأفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت ومخاطبة الخاص الم تر الى ربك قال بعضهم قال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الم تر إلى ربك كيف مد ظل العصمة قبل ان ارسلك الى المخلوق ولو شاء لجعله ساكنا اى جعله مهملا ولم يفعل بل جعل الشمس التى طلعت من صدرك دليلا ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا هذا خطاب من اسقط منه الرسوم والوسائط قال ابن عطا كيف حجب الخلق عنه ومد عليهم ستور الغفلة وحجبها وقال فى قوله ثم جعلنا الشمس عليه دليلا شموس المعرفة هى دلائل القلب الى الله وعن جعفر قال حجب الخلق عنه وقال بعضهم الظل حجاب بينك وبين الله ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا وهو نور الهداية بالاشارة ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا وهو جذب القدرة التى يجذبك من الاشياء اليه وقال الاستاذ ظل العناية على احوال اوليائه فقوم هم فى ظل الحماية وآخرون فى ظل الرعاية وآخرون فى ظل العناية فالفقراء فى ظل الكفاية والاغنياء فى ظل الراحة والحماية ويقال احيا قلبه بقوله ألم تر الى ربك ثم افناه بقوله كيف مد الظل فكذا سنته مع عباده يرددهم بين افناء وابقاء ثم من الله علينا براحة الليل وستره بقوله { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } اذا هجم ظلال الليل على اهل شوقه هاج اسرارهم بنعت الشوق والانس الى قربه ووصاله فينكشف لهم اسرار الملك والملكوت وانوار العزة والجبروت وهم ينقلبون فيها باشكال غريبة وحركات عجيبة ومناجاة لطيفة وموجبات عظيمة وعبرات عزيزة ولولا ستر الليل عليهم لفشا احوالهم وانكشف اسرارهم عند الخلق فاذا كانوا فى حالة اليقظة فحالهم الغلبات فاذا أنسوا بنور الجمال ياخذهم النوم ويقطعهم عن التهجد وبرجات الوجد فيسكنون فى روح الانس وراحة القدس وربما يرون المقصود فى نومهم كما حكى عن سلمة بن شجاع انه لم ينم ثلاثين سنة فاتفق انه نام ليله فراى الحق سبحانه فى منامه ثم بعد ذلك ياخذ الوسادة معه ويضطجع حيث كان فسئل عن ذلك فانشا يقول @ رايت سرور قلبى فى منامى فاحببت التنفس والمناما @@ يا فهم لهم فى زمان الامتحان ليل الحجاب وسبات الغفلات فاذا ذابوا فى مقام الفرقة اخذ الله ايديهم بكشف الوصال بقوله { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } أطلع عليهم بعد ذلك شمس العناية من مشرق الكفاية نومهم سببب الزلفات وسباتهم راحة المداناة وهذا حال اهل النهايات @ وانى لأستغفى وما بى نعسة لعل خيالات منك يلقى خياليا @@ قال الاستاذ الليل وقتاً لسكون قوم ووقتاً لانزعاج أخرين فارباب الغفلة يسكنون فى ليلهم والمحبون يسهرون فى ليلهم ان كانوا فى روح الوصال فلا ياخذهم النوم بكمال انفسهم وان كانوا فى الم الفراق فلا ياخذهم النوم لكمال قلقهم فالسهر للاحباب صفة اما لكمال السرور او لهجوم الهموم . ويقال جعل النوم لقوم من الاحباب وقت التجلى يريهم ما لا سبيل اليه فى اليقظة فاذا رأوا ربهم في المنام يوثرون النوم على السهر وهذا كما انشد @ فلولا رجاء الوصل ما عشت ساعة ولولا مكان الطيف لم اتهجع @@ ثم زاد منته بان نشق نسائم روح وصاله اهل شوق جماله بقوله { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } اذا اراد سبحانه كشف لقائه لارواح العاشقين يرسل رياح الواردات قبل حصول كشف المشاهدات فيستنشقون منها نسيم الانس وهم يعلمون ان ذلك مبشر كشف القدس والحكمة فى ذلك انه تعالى يكتسر بها قلوب المحبين غبار الحدثان وهواجس النفس والشيطان حتى لا يبقى فيها غير جمال الرحمٰن فاذا راؤا أثار ملك المبشرات علموا ان فى ذلك وقت ظهور المقصود وحصول المامول @ وانى لاستهدى الرياح نسيمكم اذا اقبلت من نحوكم بهبوب @@ قال ابن عطا يرسل رياح الندم بين يدى التوبة قال ابو بكر بن طاهر ان الله يرسل الى القلب ريحا فيكفه من المخالفات وانواع الكدورات ويصفيه لقبول الموارد عليه اذا صادف القلب ذلك الريح فتنسم نسيمها ثم اشتاق الى الزوائد من فنون الموارد فيكرمه الله بالمعرفة ويزينه بالايمان الا تراه يقول { وَهُوَ الَّذِي } الآية يرسل الرياح الاشتياق على قلوب الاحباب فتزعجها عن المساكنات ويطهرها عن كل شئ الا عن اللوائح فلا تستقر الا بالكشف والتجلى ويقال اذا انتسمت القلوب نسيم القرب هام فى ملكوت الحلال وامحى من كل رسوم ومعهود ثم زاد المنة سبحانه بذكره وصف مياه الكرم الذى يطهر بها قلوب احباب وجه القدم من لوث غبار العدم بقوله { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } انشأ فى الاول سحائب الرحمة وبشر رياح الزلفة ثم مطر مطر الخطاب والكلام من حبر الذات والصفات على ارض قلوب اهل المشاهدات فطهرها من صفات البشريات واحياها من موت الغفلات وانبت فيها اشجار المعرفة ورياحين المحبة وذلك قوله تعالى { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } ثم جعل قلوبهم سوا فى المعارف والكواشف فيفيض سقيها الى الارواح والاشباح قال تعالى { وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } قال بعضهم طهر قلوبهم ببركاته عن المخالفات وطهر أبدانهم بظاهر رحمته من جميع الانجاس قال النصرابادى هو الرش الذى يرش من مياه المحبة على قلوب العارفين فيحيى به نفوسهم باماتة الطبع فيها ثم يجعل قلبه اماما للخلق بفيض بركاته عليهم فيصيب بركات نور قلبه من كل ذوات الارواح قال الله تعالى { وَنُسْقِيَهِ } الاية قال الاستاذ انزل من السماء ماء المطر فاحيا به الرياض والغياض وانبت به الازهار والانوار وانزل من السّماء ماء الحرمة فغسله للعصاة ما تنطحوا به من الاوضار وتدنسوا به من الاوزار وماء الحياء يطهر قلوب العارفين عن الجنوح الى المساكنات وما فى بعض الاحوال يتداخلها من الغفلات وماء الرعاية فيحيى به قلوب المشتاقين مما يتداركها من انوار التجلى حتى يزول عنها عطش الاشتياق ويحصل فيها من سكنه الاستقلال ويحيى به نفوسا ميتة اتباع الشهوات فيردّها الى القيام بالعبادات ثم مرج سبحانه بحر المتيم فرص النكرة فى قلوب العارفين بقوله { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } فبحر المعرفة بحر الصفات وبحر النكرة بحر الذات ثم وصف البحرين فقال { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } فبحر الصفات عذب للعارفين اذ هى فياضة لطائفها الى الارواح والقلوب والعقول وهى ادركت نعوتها واسماءها بنورها ففهمت وعرفت معارفها وكواشفها على قدر الطاقة لا على الحقيقة وبحر ملح اجاج اذ امتنع بحار حقائقه عن تناول العقول والقلوب والارواح والاسرار فاذا انحسرت هذه السائرات فى بيداء الازل وانقطعت ساحتها فى بحار القدم فصارت نكراتها مهلكها وبين بحر الصفات والذات برزخ المشيئة والإرادة لا يدخل أهل بحر الصفات ولا يرجع أهل بحر الذات الى بحر الصفات قال تعالى بينهما برزخ لا يبغيان ولا يختلطان فمياه بحر الروح من بحار مشاهدة الالطاف ومياه بحر النفس ملح اجاج وهى من بحار القهريات قال ابن عطا تلاطمت صفتان فتلاقيا فى قلوب الخلق فقلوب اهل المعرفة منورة بانوار الهداية مضيئة بضياء الاقبال وقلوب اهل النكرة مظلمة بظلمات المخالفات معرضة عن سنن التوفيق وبينهما قلوب العامة ليس لها علم بما يرد عليها ويصدر منها ليس معها خطاب ولا لها جواب قال الاستاذ القلوب بعضها معدن اليقين والعرفان وبعضها محل الشرك والكفران .