Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 96-99)

Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } العرش قبلة الملائكة والكرسى قبلة سكارى الحضرة والبيت المعمور قبلة السفرة والكعبة قبلة الناس عاماً وخاصا أحال الطائفين الى الوسائط وحجبهم بها عن مشاهدة جماله غيرة على نفسه عن ان يرى احد اليه سبيلا لانه وضع بيته قبل آدم وذريته ابتلاء وامتحانا لتحجبوا بالبيت عن صاحب البيت ومن اعرض سره عن الجهة فى توجهه الى الله صار الحق قبلة له فيكون هو قبلة الجميع كآدم كان قبلة الملائكة لانه وسيلة الحق بينه وبين ملائكته لما عليه كسوة جلاله وجماله كما قال عليه السلام خلق الله آدم على صورته يعنى القى عليه حسن صفاته ونور مشاهدته كما قال تعالى فى حق موسى والقيت عليك محبة منى والمحبة خاصه صفاته الازلية ومن اعرض من اهل العبودية عن آدم فمثله كمثل ابليس من الملائكة لان من شرط المعرفة العبور بالوسائط فى عالم العبودية فاذا كان محققا فى المشاهدة قال اى جهة توجه فثم وجه الله كما قال تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله لانه فى محل عين الجمع وكما قال بعض العارفين ما نظرت الى شئ الا ورايت الله فيه وايضا اوضع بيته وكساه بكسوة آياته الكبرى وهى نور القدرة ليجذب قلوب عباده اليه بوسيلته لاجل ذلك قال بيتى لتخصيص الاضافة ولانه منور بنور آياته الخاصة { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } سميت البكة لالتصاق ارواح العشاق به شوقا الى لقاء حبيبهم ولا زدحام العارفين اليه بالمبادرة والمسارعة ببذل المهج ويقال لا تعلق قلبك باول بيت وضع لك ولكن افرد سرك لاول حبيب انزله وقيل شتان بين عبد اعتكف عند اول بيت وضع له وبين عبد لازم حضرته عزيز كان له { مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِيْنَ } اى مقدسا من ان يلتصق به ريب الشاكين او تهمة المرائين او ان يرى وجه عروس الايات الى غير المخلصين وايضا تعظما بما كسا الله عليه من انوار قربه وحضرته وبركاته ان يسكن به قلوب المريدين ويكون مروحة لفؤاد المشتاقين وروضة الارواح الصادقين وريحانة لمشام العاشقين وهدى هاديا بانكشاف نوره للعالمين من المؤمنين وايضا هدى للمريدين الى رؤية الآيات وهدى للعارفين الى رؤية صاحب الآيات وهدى للخائفين الى مقامات الامن وهدى للمنقطعين الى شهود الانس وراشد للمحسنين الى مشاهدة الرب تبارك وتعالى وقال الاستاد بركاته اتصال الطاف والكشوفات هناك لمن قصده بهممه ونزل عليه بقصد هداه الى طريق رشده وقال الحسين ان الحق تعالى اورد تكليفه على ضربين تكليفا عن وسائط وتكليفا بالحقائق فتكليف الحقائق بدت معارفه منه وعادت اليه وتكليف الوسائط بدت معارفه عمن دونه ولم يتصل به الا بعد الترقي منها الى الفناء عنها فمن تكليف الوسائط اظهار البيت والكعبة فقال ان اول بيت وضع فما دمت متصلاً بة كنت منفصلا عنه فاذا انفصلت عنه حقيقة وصلت الى مظهره وواصفه وكنت مترسما بالبيت متحققا بواضعه قوله { فِيْهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ } البيت مرأة العارفين يتجلى الحق لهم بوسائط الايات ابهم الحق سر ظهوره فيه لئلا يطلع عليه كل اجنبى من هذه القصة وشان البيت وشجرة موسى سواه تجلى منها لموسى وتجلى منه لامة محمد صلى الله عليه وسلم واشار بالايات البينات الى نفسه تعالى وتقدس عن الحلول والنزول وبنعت الانتقال قال الأستاذ فيه ايات ولكن لا يدرك تلك الايات بابصار ولكن ببصائر القلوب وقال محمد بن الفضل فيه ايات بينات علامات ظاهرة يستدل بها العارفون على معروفهم قوله { مَّقَامُ إِبْرَاهِيْمَ } الرضا والتسليم والانبساط واليقين رضاه حين القى فى النار وتسليمه فى ذبح ولده وانبساط قوله رب ارنى ويقينه قوله وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السمٰوات والارض وليكون من وزيادته مقام المكاشفة فالمشاهدة والخلة والفتوة فمن وافق سره سر هذه المقامات فقد ادى حق مقام ابراهيم وايضا للخليل مقام المعرفة والتوحيد والفناء والبقاء والسكر والصحو فمن ذاق طعم السكر وتمكن فى الصحو وفنى عن اوصاف نفسه وبقى على اوصاف الحق بنعت الخلق عليه والتنور بانوار المعرفة والتلبس بلباس التوحيد وطار روحه فى سنأ القدم وطاش قلبه فى جلال الابدية وسار سره فى الملك الاعلى وهام عقله فى وادى العظمة والكبرياء واطمأنت نفسه فى احكام الربوبية بلا جزع وفزع فقد فاز برؤية مقام ابراهيم لانه محل التمكين قال الاستاذ مقام ابراهيم فى الظاهر ما باشر بقدمه وهو فى الاشارة ما وافق الخليل بهممه وقيل ان شرف مقام ابراهيم لانه اثر الخليل واثار الخليل عند الخليل اثر وخطرعظيم وقال الشبلى مقام ابراهيم هو الخلة فمن شاهد فيه مقام ابراهيم الخليل فهو شريف ومن شاهد فى مقام الحق فهو أشرف قال محمد بن على الترمذى مقام ابراهيم هو بذل النفس والولد والمال فى رضا خليله فمن نظر الى المقام ولم يتجلى مما تجلى منه ابراهيم من النفس والمال والولد ولم يسلم فقد بطل سفره وخابت رحلته قوله تعالى { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } من دخل مقام الانابة اعتصم بنور الكفاية عن تواتر المعصية ومن دخل مقام الزهد فقد استراح من هواجس الوسوسة ومن دخل مقام التوكل قلت من ضيق الاشتغال بالمكاسب ومن دخل مقام الرضا فقد فاز من الفناء ومن دخل مقام الوفاء فقد ذاق طعم الصفاء ومن دخل مقام الاستقامة فان من تلوين الخاطر ومن دخل مقام الاخلاص أمن من آفات الرياء والسمعة ومن دخل مقام الصدق أمن من رعونات النفس ومن دخل مقام التسليم مثل الخليل فقد خرج من تنازع النفس وتدبيرها وارادتها ولم يبق له اختيار وسكن فى اختيار الحق ومراده منه وأمن من خوف فوت المراد لان جميع الخوف من جهة فوت المراد فاذا لم يبق له مراد زال الخوف باسره منه ولم يبق للخوف مساغ فى وصفه ولا محالة ان دخول البيت لا يكون متسحسناً الا بتسليم الامور الى رب البيت فان من لم يكن بالتسليم موقوفا فى ترك مراده فهو معارض للتقدير فى جميع الامور وحسن الادب فى دخول البيت التسليم بنعت الرضا دون المعارضة ونزاع البشرية من دخل مقام المراقبة من بعد الاستقامة من الخطرات الردية ومن دخل مقام الانس فاءت عنه الوحشة وغربت عنه شره الفترة ومن دخل مقام الخوف امات الله عنه خوف زوال المحبة ووقر بنور الهيبة عند جميع الخلق ومن دخل مقام الرجاء شعشعت عنه دارات الامتحان ونزح عن افتنانها بحلاوة الدنيا وزهرتها لان من دخل قلبه سلطان حقائق الرجاء امن من نوازع البشرية وهواجس الطبيعة وقوارع النفسانية لان نور الرجاء من بحر الانس ونور الانس من بحر القدس والقدس من صفاته علا كبرياؤه وجلت عظمته ومن التجا الى ظل سلطان الوحدانية امن من غارات الشيطان لانه دخل فى قباب عصمته ومن كان فى مقام كنف ستر جبروته فانى يلحقه ايدى الشياطين قال الله تعالى { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } واخبر عن عدوهم وقال لاغوينهم الا عبادك منهم المخلصين ومن دخل مقام المحبة امن من الابعاد والطرد والغضب ومن دخل مقام الشوق امنت روحه من ارتباطها فى عالم الحدثان ومن دخل مقام العشق صار متصفا بصفات الحق وخرج من النفس ومن دخل مقام المعرفة امن من عين النكرة ومن دخل مقام اليقين امن من غبار الشك والريب ومن دخل سرادقات التوحيد جنحت عنه خواطر الشرك لان حقيقة التوحيد الخروج عن عرضة النفس وسجن الوسواس وعلائق المعاهدات البشرية وقطع عوائق الانسانية عن اوطان الذكر ومن دخل مقام الذكر اطمان برؤية المذكور وخلص من ذكر ما سوى الحق واذا خرج العبد عن نفسه وشهواته بلغ مقام صفاء العبودية واذا بلغ صفاء العبودية بلغ صفاء الحرية ومن بلغ صفاء الحرية بلغ صفاء الذكر ومن بلغ صفاء الذكر دخل فى مشاهدة المذكور وامن من عذاب القبور ومن دخل مقام التفكر غاصت روحه فى بحار انوار الملكوت وترى فى اصداف الغيوب جواهر الجبروت وسلمت من ربق النفس وطوارق الشيطان ومن دخل مقام الحياء تصدعت عن مرار قلبه ازحل الشياطين وتقدس سره من نفخ الوسواس ومن دخل حجال عين الجمع سكن فى وجد الحق تعالى بلذة الانبساط ونور البسط وألبسه الله خلعة الاناينة وامن من صفات الانسانية وسكر من تكاليف حياة الدنيا وبه ومن دخل قلبه انوار القربة سكنت روحه بالمشاهدة وعقله بالمكاشفة وسره بالمعاينة ونفسه فى العبادة ومن دخلت روحه فى انوار العظمة تاه قلبه فى وداى الهيبة وعقله سكن بنور المعرفة وسره بنور الوصلة ونفسه بلذة الطمأنينة فى امور الربوبية ومن دخل سره فى جنان الانس مسكن قلبه فى ظهور انوار القدس وروحه فى بروز نور القدم وعقله فى كشوف نور القدرة ومن دخل عقله فى نور الشواهد سكن سره بقاء الشهود وروحه فى رؤية عين الحقيقة وقلبه فى محبة الازلية ونفسه فى رسوم المخاطبة ومن دخلت نفسه فى مراد الحق وخرجت عن مراءاة الخلق سكن قلبه بنور الاخلاص وروحه بنور الصدق وعقله فى صفاء العبودية وايضا من دخل نور اليقين قلبه امن سره من اضطراب الشك وعقله من رحمة النفس وروحه من هموم التدبير ونفسه من نفاذ الشهود الخفية ومن دخل نور الايمان عقله راى قلبه حقائق البراهين وروحه عالم الملكوت وسره نور الجبروت ونفسه احست اصوات خطاب الخاص من حضرة الحق جلت عظمته ومن دخل نور التوحيد روحه فتق عين سره بنور الوحدانية وعين قلبه بكحل الفردانية ورسخت نفسه فى اخلاص العبودية ومن دخل نور الاسلام نفسه امن روحه من خطراتها وامن سره من لحظاتها وامن قلبه من وسواسها وامن عقله من نزاعائها ومن دخل بهذه الصفات التى ذكرنا بيت ربه تعالى امن من عذاب هجرانه فى الدنيا والاخرة وقال الاستاد جعلنا الاشارة من البيت الى القلب ومن دخل قلبه سلطان الحقيقة امن من نوازع البشرية وهواجس عاهدت النفس وقيل ان الكناية بقوله سبحانه ومن دخله راجعة الى البيت ومن دخله يشبه على الحقيقة كان آمنا وقيل لا يكون دخول البيت على الحقيقة الا بخروجك عنك اذا خرجت عنك صح دخولك فى البيت واذا خرجت عنك امنت قال جعفر بن محمد فى قوله ومن دخله كان آمنا اى من عرف الله لم يأنس بشئ سواه وقال النورى من دخل قلبه سلطان الاطلاع كان آمنا من هواجس نفسه ووسواس الشيطان وقال الواسطى من دخله على شرائط الحقيقة كان آمنا من رعونات نفسه قال ابن عطاء من دخله كان امنا من عقابه ولله فى الدنيا ثواب وعقاب فثوابه العافية وعقابه البلاء فالعافية ان يتولى عليك امرك والبلاء ان يكلك الى نفسك وقال جعفر من دخل الايمان قلبه كان أمنا من الكفر وقال الواسطى فى موضع أخر من جاوز قلبه الايمان كان أمنا فى رعونات نفسه وقال جعفر من دخله على الصفة التى دخلها الانبياء والاولياء والاصفياء صار أمنا من عذابه كما أمنوا . قوله تعالى { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } اضاف الحج الى نفسه لما فيه اثار الربوبية وحقائق العبودية وايضا لزم حق العبودية على عباده لقاء شكر الربوبية وايضا ارشدهم الى روية المقصود فى الايات والعلامات بوسيلة القصد الى بيته وايضا فرض حج البيت على الجمهور لحضور الخواص زائرين رب البيت وايضا اراد ان يرى عباده عظمته وكبرياءه فى رؤيتهم ذل العبودية والتواضع والتضرع على اعناقهم وايضا اى واجب الوجوب على عبادى القصد الى مشاهدتى ببذل الاموال والنفوس والارواح وترك الراحات والشهوات والاولاد والارواح بنعت التجريد عن المكونات فى قصدهم الى بيته ويختص البيت لقصدهم رسما وحكما عن المشاهدة لانه تعالى وتقدس منزه عن الحلول والتشبيه يتجلى منه القاصدون اليه فى لباس الملك والأيات لانه تعالى قال فيه أيات بينات اخبر عن الأيات فى نفس البيت واشار الى تجلى الصفات فى نفس الأيات كما قال عليه السلام جاء الله من سيناء واستعلن بساعير واشرق من جبال فاران يعنى جبال مكة وعنى بالجبال والله اعلم بيت الله الحرام لانه احجار اصفطاها الله تعالى فى الازل قبله لعباده ومراة لكشوف خواصة والاستطاعة فى سبيله معرفته وقربه ورؤية الطافه فى سائر الاوقات واليقين فى وعده والتوكل عليه فى جميع الامور والمراقبة ودوام الرعاية ومعرفة حفظه وكلاءته جميع عباده ومحبته الصافية عن رعونة النفس وصدق القصد اليه بصفاء النية وطهارة القلب عما سواه زادهم دوام الذكر والفكر فى الأية ونعمائه وقدرته الكاملة ورحمتة الكافية ضدا وأمثال هذه المقامات استطاعة القاصدين الى بيته انقطاع عن سبيل الرشاد وهلك فى مهلكه العناد قال الله تعالى { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِيْنَ } اضاف الحج فى اول الآية الى نفسه ونزه نفسه فى أخرها ليعلم اهل خبرة العبودية له شفقته على عباده لان العبادة ترجع اليهم بالثواب وهو منزه عن الاسباب والقاصدون الى بيت الله تعالى على ثلاثة اقسام قسم منهم قاصدون الى البيت بقلوبهم الصافية عن الدنيا وما فيها لامتثال الامر ولطلب مرضاة الرب ومنهم القاصدون الى مشاهدة رب البيت باموالهم وانفسهم لطلب الثواب وقسم منهم القاصدون الى البيت بارواحهم العاشقة لطلب حقائق المعرفة والقربة وصفاء الوصلة وزيادة مشهد التجلى والتدلى فاهل الظاهر يحرمون من المحظورات ويحلون عن احرامهم عند قضاء نسكهم واداء فرضهم واهل الباطن يحرمون عن الكائنات والنظر الى البريات ولا يحلون ما داموا فى الدنيا الى مشاهدة الذات وكشف الصفات فشتان بين من يحرم من المعهودات وبين من يحرم من المسكنات وشهود المكونات لكن بلاياه لا يحملها الا مطاياه ألا ذهبوا وذهب معهم البركات وغربت بغروبهم فى مغارب الابد شموس الكرامات واقمار الأيات ذاع خيرهم فى الأفاق وخفى اثرهم عن الآماق رحمة الله عليهم حياة ومماتا من الاشارة فى قصور حجاج كعبة الحقيقة اذا ارادوا استقبال قلوبهم الى نحو المقصود على بيت الله الحرام عقدوا بالحقيقة مع الله بنعت المحبة عقد المعرفة وفسخوا جميع العقود التى عقدوا فى غير طريق الحق من ايثار سواه عليه وعهود النفس التى اخذت للرياء والسمعة وطلب العلو والشرف اعدوا السبل مواطن المشاهدة زاد الصدق فى التوكل والاخلاص واليقين والزهد فى تجارة الله وراحلة الصبر قوائمها الحمد ورأسها الحلم وبطنها الورع وسرجها التمكين وحزامها الاستقامة وزمامها التسليم وسوطها الادب وارضها الرضا وسماؤها اليقين وماؤها الفكر وعلفها الذكر ورياضها المكاشفة ومرعاها المشاهدة وتوجهها الى شهود القدم واذا خرجوا من اوطانهم بهذه الراحلة هجروا من الدنيا وما فيها واستعدوا أهبة الموت من جميع الخلائق من المعاشرين المتقاربين واسرعوا فى طريق الرياضة والزموا انفسهم كدح الحادين المحدين وتوجهوا بنعت الاخلاص الى الله ولم يلتفتوا الى غيره فى طريقه من اهل الدثر والدبر والبتر وعزموا ان لا يجوزوا عن قصد السبيل الى سبل دواعى الهوى والشياطين واذا ركبوا مراكبهم يكون قائدهم الهدى وسأئقهم التقوى ومنهجهم الصفا ورفيقهم المولى وعديلهم العلم وصحبهم الحلم الشوق يسوقهم فى وادى العشق مؤنسهم الحنين ومطربهم الانين بدرقتهم الحبيب واذا قربوا من وادى المحرم ساروا مسرعين من الشوق وقطعوها نادمين من الذنب وخرقوها ساذمين الى مشاهدة الرب متحسرين من فوت الاوقات هائمين فى طلب الدرجات باكين دماء الحزن بالزفرات نائحين على أنفسهم بنعت العبرات واذا بلغوا راس الوادى خلعوا ثوب الراحات وتجردوا عن جميع الشهوات ولبسوا احرامهم التفريد واغتسلوا فى بحر التجريد وتطهروا عن جمع شوائب العلل واذا لبوا سمعوا أصوات الرضا بنعت الوصلة والقربة ونداء الحق قبل كونهم فى الازل واذا بلغوا عرفات صاروا متبطئين فى قيود السكر لا فكاك لهم عنها الا بستر الصحو فبين السكر والصحو هائمون وبين الهيبة والبسط حائرون يعرف لهم الحق جلت عظمته حقائق المشاهدة وصفات المكاشفة واظهر لهم مكنونات الغيوب ومضمرات القلوب واذا وقفوا وقفوا راجين الى لقاء الرحمٰن خائفين من القطيعة والهجران شاهدين مقام الحياء حاضرين مقام الفناء في رؤية البقاء واذا وصلوا الى مشعر الحرام ذكروا الله بنعمة رؤيته وذكرهم هناك على اللسان وحجلة الجنان فى قدم الرحمٰن مقشورين بين يديه مطرقين من التقصير منحنين من التفريط واذا بلغوا المنى ذبحوا انفسهم عن اللذات والشهوات واذا رموا بالجمرات رموا مجاهدتهم ورياضتهم وعبادتهم الى كتم العدم لوصولهم مشاهدة القدم واذا كسروا الحجارة كسروا معها شهوات بواطنهم وارادات انفسهم عن ممكنات اسرارهم واذا حلقوا حلقوا عن باطنهم فضولات الوسواس وحب محمدة الناس واذا دخلوا ارض الحرم علموا انهم عند سرادق العظمة وابواب الحضرة خاضعين من الاجلال ذائبين فى نيران الكبرياء محرمين عما دون الله متأهبين للقائه لا يحل عليهم شئ من الاكوان قبل وصولهم اليه لانهم فى معادن الصمدية وصولة الصمدية تنمعهم عن علات الحدوثية واذا دخلوا مكة ايقنوا انهم فى جواره لان مكة بمنزلة الجنة ومن دخلها امن من عقابه فى جواره لوعده تعالى واذا دخلوا المسجد دخلوها هائمين من رؤية عظمته وذكروا هيبته واجلاله واذا راوا البيت رأوا قبل رؤية البيت رب البيت ومشاهدته وعلموا انهم فى حضرته القديمة ومشاهدته الكريمة واذا طافوا حول البيت رأوا ملائكته مطيفين حول العرش والكرسى وايقنوا انهم عند الله تعالى بمنزلتهم واذا استلموا علموا انهم بايعوا الله ببيعة الازل بنعت الخروج عن المخالفة بعد تلك المبايعة ولا يمدون ايديهم الى المألوفات والشهوات واذا صلوا خلف المقام علموا انهم فى مقام الوصلة والقربة والمناجاة ومحل الوافين بعهد الله واذا تعلقوا بأستار الكعبة ايقنوا انهم معتصمون بحبل الاعتصام لائذون بحقيقة عصمته ملتجئون الى كنف قربته منفردون عن اللياذة واجدون الحق بعد ذلك واذا دخلوا بيت الله تعالى ايقنوا انهم فى حفظ عنايته وكنف كلاءته مستغرقين فى وجود قدمه وبقائه واذا صعدوا الصفا والمروة خرجوا من كدورات النفسانية ورأوا انهم فى مقام الاصطفاء والاجتباء ومن له بصيرة المعرفة علم وتحقق ان الله تعالى رسم هذه المناسك والمشاعر مثالاً لحضرة جلاله بنى الكعبة مثالاً للعرش ومسجد الحرام مثالاً لحظيرة القدس وجعل البلد مثالاً للجنة والصفا والمروة وجبال مكة مثالاً لحجاب الملكوت والحرم كله سواتر الجبروت والمنى مقام الامن والمشعر مقام الخوف والتعظيم والمعرفة ارض المحشر والمحرم مقام القيامة والبادية الدنيا والخروج من الوطن الموت والقصد الى زيارة البيت والتأهب للقاء الرب تبارك وتعالى فاذا ابصر حقائق هذه الامثال صار حجة قربة ومشاهدة سعيه مبروراً وعمله مشكوراً ذكرت حج العارفين من الموقنين والمشاهدين وايضا هذه امثلة مشاعر الباطن فالكعبة هى القلب والحجر الصدر والبلد الصورة والصفاء العقل والمروة العلم والمنى الحلم والمشعر الذكر والعرفات صفاء العبودية والمعرفة والمحرم المقامات والخالات والبادية النفس والهوى والحاج الروح المقدس واما اسرار العاشقين ايضا اذا حجت فكعبتها ذات القدمية جلت عظمته وعز كبرياؤه ومناسكها مراتب السر فى الصفات فاذا تجردت الاسرار فى بيداء الازل عن الاماكن والازمان والحدثان استقبلت الى عروس البقاء والسرمدية تحولها مطاف حظائر القربة على بساط الحشمة والانبساط فكل نفس منها لما نظره وشاهده وكاشفه فحجها منه اليه وعنه به وبه عنه ومنه له فشأنها عجيب ووجدها غريب وقيل لم يخاطب عباده فى شئ من العبادات بان لله عليهم الا الحج وفيه فوائد إحداها انه ليس من العبادات عبادة يشترك فيها المال والنفس الا الحج فاخرجه بهذه الاسم وقيل لما كانت فيه اشارات القيامة من تجريد ووقوف قال الله عليك ذلك لتهيئ باطنك للموقف الاكبر كما هيأت ظاهرك لهذا الموقف وقيل ان رجلاً جاء الى الشبلى فقال له الى اين قال الى الحج قال هات عزارتين فاملأهما رحمة واكتسبنهما وجئ بهما ليكون حظنا من الحج بعرضها على من حضر وتحيى بها من يراه قال فخرجت من عنده فلما رجعت قال لي احججت قلت نعم قال لى ايش عملت قلت اغتسلت واحرمت وصليت ركعتين ولبيت فقال لى عقدت به الحج قلت نعم قال فنسخت بعقدك كل عقد عقدت منه خلفت مما يضاد هذا العقد قلت لا قال فما عقدت قال ثم نزعت ثيابك قلت نعم قال تجرأت من كل فعل فعلت قلت لا قال ما نزعت قال ثم تطهرت قلت نعم قال ازلت عنك كل علة بطهرك قلت لا قال فما طهرك قال ثم لبيت قلت نعم قال وجدت جواب التلبية مثلا بمثل قلت لا قال ما لبيت قال ثم دخلت الحرم قلت نعم قال اعتقدت بدخولك ترك كل محرم قلت لا قال ما دخلت الحرم قال ثم اشرفت على مكة قلت نعم قال اشرف عليك من الله حال بإشرافك على مكة قلت لا قال ما اشرفت على مكة قال دخلت المسجد الحرام قلت نعم قال دخلت فى قربه من حيث علمته قلت لا قال ما دخلت المسجد قال رأيت الكعبة قلت نعم قال رأيت ما قصدت له قلت لا قال ما رأيت الكعبة قال رملت ثلاثاً مشيت اربعاً قلت نعم قال هربت من الدنيا هربا علمت انك به قد فاصلتها وانقطعت عنها ووجدت بمشيتك الاربع امنا مما هربت منه فازددت الله شكرا لذلك قلت لا قال فما طفت قال صافحت الحجر قلت نعم قال ويلك قيل من صافح الحجر فقد صافح الحق قال ومن صافحه فهو في محل الامن اظهرعليك اثر لا من قلت لا قال ما صافحت الحجر قال اصليت ركعتين بعدها قلت نعم قال وقفت الوقفة بين يدي الله وواقفت على مكانك من ذلك واريته قصدك قلت لا قال ما صليت قال خرجت الى الصفا ووقفت بها قلت نعم قال ايش عملت قلت كبرت عليها قال هل صفا سرك بصعودك الى الصفا وصغر في عينك الاكوان بتكبيرك ربك قلت لا قال ما صعدت ولا كبرت قال هرولت في سعيك قلت نعم قال هربت منه إليه قلت لا ما هرولت وما سعيت قال وقفت على المروة قلت نعم قال رايت نزول السكينة عليك وانت على المروة قلت لا قال لم تقف على المروة قلت نعم قال رايت نزول السكينة عليك وانت على المروة قلت لا قال لم تقف على المروة قال خرجت الى منى قلت نعم قال اعطيت ما تمنيت قلت لا ما خرجت الى منى قال دخلت مسجد الخيف قلت نعم قال هل تجدد عليك خوف بدخولك مسجد الخيف قلت لا ما دخلته قال مضيت الى عرفات قال نفرت من المشعر الحرام قلت نعم قال ذكرت الله فيه ذكر انساك فيه ذكر ما سواه قلت لا قال مضيت الى عرفات قال نفرت الى المشعر الحرام قلت نعم قال ذكرت الله فيه ذكرت الله فيه ذكر انساك فيه ذكر ما سواه قلت لا قال ما نفرت قال هل شعرت بماذا اجبت وماذا خوطبت قلت لا قال ما نفرت الى المشعر قال ذبحت قلت نعم قال افنيت شهواتك وارادتك في رضا الحق قلت لا قال ما ذبحت قال رميت قلت نعم قال رميت جهلك منك بزيادة علم ظهر عليك قلت لا قال ما رميت قال زرت قلت نعم قال كوشفت عن شيئ من الحقائق او رأيت زيادة الكرامات عليك للزيادة قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الحاج والعماد ذواد الله وحق المزودان يكرم زائدة قلت لا قال ما زرت قال احللت قلت نعم قال عزمت على اكل الحلال قلت لا قال ما احللت قال ودعت قلت نعم قال خرجت قال احللت قلت نعم قال عزمت على اكل الحلال قلت لا ما احللت قال ودعت قلت نعم قال خرجت من نفسك وروحك بالكلية قلت لا قال ما ودعت ولا حججت وعليك العود اذا احببت واذا حججت فاجتهد ان يكون كما وصفته لك وقال الشيخ عبد الرحمن السلمي لما دخلت على الشيخ الحصري قدس الله روحه ببغداد قال لي احاج انت قلت انا مع القوم فقال لي اليس فرائض الحج اربع الاحرام والدخول فيه بلفظ التلبية قلت نعم قال والتلبية اجابه قلت بلى قال والاجابة من غير دعوة سؤادب قلت بلى قال فتحققت للدعوة حتى تخيب ثم الاحرام التجريد من الكل ولا يكون التجريد الا بالتفريد قلت بلى ثم الوقوف قلت نعم قال فاجتهد فيه فانه محل المباهات انظر كيف يكون في الطواف وهو محل القرية من الحق فيكون قربك منه بحسن الادب ثم السعى وهو محل الفراد اليه بالتبرئ مما سواه فاياك ان تتعلق بعد سعيك بعلاقة من الدارين وما فيهما وقال الشيخ سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول سمعت محمد بن احمد بن سهل يقول سمعت سعد بن عثمان يقول عبد البارى يقول سئل ذو النون لم صير الموقف بالمشعر الحرام ولم يصير بالحرم قال ذو النون لان الكعبة ببيت الله والحرام حجابه والمشعر بابه فلما ان قصده الوافدون اوقفهم بالباب الاول يتضرعون اليه حتى اذنهم بالدخول اوقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة فلما ان نظر الى تضرعهم امرهم بتقريب قرابينهم فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم طهروا من الذنوب التى كانت لهم حجابا من دونه فاذن لهم بالزيادة على الطهارة قوله تعالى { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيْدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } وبخهم بالكفر بعد شهودهم مشاهد الآيات بامر الظاهر واستدرجهم بما اورثهم من الشهوات بقضاء الباطن وحذرهم لشهوده على اسرارهم ليطردهم عن قربه ووصاله وقال الاستاذ الخطاب بهذه الاية تأكيد الحجة عليهم فمن حيث الشرع تؤكد الحجة عليهم ومن حيث الحقيقة والقهر سد الحجة عليهم فهم مذعورون شرعا وامراً مطرودون حكما وقهرا قوله تعالى { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيْلِ ٱللَّهِ } نهاهم الله عن الصد والصد لا يكون الا من الحسد والحسد مذهب المبغضين الذين لا يطيقون ان يروا على المريد اثر كرامة الله وهم فى الحقيقة مصدودون والمصدود مطرود يضِل ويُضَل .