Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-1)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } اى ايها الناسى عهد الازل وميثاق القدم بشرط وفاء العبودية بعد خطابي ومعرفتى وتعريفى نفسى لكم حيث قلت الست بربكم فاجبتم بقولكم قالوا بلى وايضاً ايها الناسى جمال مشاهدتى حيث أخرجت ارواحكم من العدم بتجلى انوار القدم فبصرتها بمشاهدتى واسمعتها خطاب أزليتى باشتغالكم على حظوظ البشرية ومأمول الطبيعة وايضاً أيها المستأنس بالمستحسنات من الاكوان والحدثان طلباً لمشاهدتى اعلم انها اعظم الحجاب لانها وسيلة حديثة وايصال الى احد الا بى ورؤية الاشياء فى رؤيتى مكر وايضاً أيها المستأنس فى المستوحش من غيرى فلا تغرن بى فانك لى لا لك وايضا اى ايها الناسى انفسكم التى هى مخلوقة من الجهل بى فلا تخافون حيث ادعيتم معرفتى ومعرفتى للقدم لا للحدث وايضا هذا خطاب لبنى آدم اى ايها الذين انتسبتم الى ابن الماء والطين الذى اشتغل عنى بأكل حبة حنطة حتى بكى عليها مائتى سنة ايش تفعلون بعده فى مواقف القربة وتنزل المشاهدة بعد المعرفة فان عذاب الفراق اليم لو تعرفون انفسكم لا تشتغلون بالحدثان فانى اصطفيتكم بمشاهدتى وخطابى من بين البريات ما سمعتم قولى ولقد كرمنا بنى آدم وهذا الخطاب خطاب العتاب للفارقين اوطان المآب الا ترى اذا غضب عظيم على خادمه لم يسم باسمه ويقول انسان ولا يقول يا حسن يا احمد اى انت على محل الجهل بمرادي منك والإشارة فيه ان الله سبحانه عرف امر المعرفة عباده حيث اشتغلوا بسواه كأنه نبههم عن رمدة الغفلات بزواجر هذا الخطاب ويقول ايها الناقضون عهد المعرفة والعشق اما تستحيون منى باشتغالكم بغيري اتقوا من فراقى وعتابى قال بعضهم يا بنى النسيان والجهل وقال ابن عطاء اى كونوا من الناس الذين هم الناس وهم الذين انسوا به واستوحشوا مما سواه وقال جعفر اى كونوا من الناس الذين هم الناس ولا تغفلوا عن الله ممن عرفه انه من الانسان الذى خص خلقته بما خص به كبرت همته عن طلب دنو المنازل وسمت به الرفعة حتى يكون الحق نهايته ثم الى ربك المنتهى وسموا همته مما خص به من الاختصاص من التعريف والالهام وقال بعضهم يا ايها الناس خطاب العام وياعبادي خطاب الخاص وخطاب خاص الخاص يا ايها النبى يا أيها الرسول قوله تعالى { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } اى كونوا على تقديس الاسرار عند كشف الانوار وعلى شرط الانفراد فى محبتى عن الأغيار ولا بتغوا اثار الاشرار لتكونوا فى منازل الصدق من الابرار حذرهم من نفسه والاشارة فيه ان من مال سره فى سيره اليه امتنع بعزته عن مطالعة جلاله كقوله ويحذركم الله نفسه وحقيقة التقوى قدس السر عما سواه بنعت الخوف من فراقه فى متابعة هواه قال بعضهم التقوى ترك المخالفات اجمع وقال بعضهم تقوى الله هو الاجتناب من كل شئ سواه وقال الواسطى التقوى على اربع وجوه للعامة تقوى الشرك وللخاص تقوى المعاصى وللخاص من الاولياء تقوى التوسل بالافعال وللأنبياء تقواهم منه إليه . قوله تعالى { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } إن الله سبحانه ذكر جميع اوصاف قدمه وامره ومشيئته ونعته وافعاله فى هذه الاية رمزاً وايماءً لانه تعالى لما اراد إبداع الخليقة لعرفانها حقوق الالوهية وانتشار انوار المحبة الازلية فى فضاء القلوب وأماكن الارواح تجلى ذاته لصفاته وتجلت صفاته لافعاله وجمع علمه وحكمته وقدرته فى نعت واحد وهو الامر فقرنت الارادة بالامر فنظر فى الامر بنعت الكاف والنون الى العدم من القدم فاظهر جوهر البسيط المجموع فيه الاجسام والارواح والجواهر والاعراض ثم نظر اليه بنظر الهيبة والعظمة والجود فأنشر منه ما سبق علمه فى الازل به من العرش الى الثرى على صور وهيئة كانت منقوشة بنفوش خواتيم افعاله وذلك المبدع هو احمد صلوات الله عليه حيث قال " اول ما خلق الله نورى " فكنت كذا وكذا الحديث حتى ذكر ان من العرش الى الثرى خلق من نوره وهو آدم الاول الذى قال تعالى { خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } ثم جمع الارواح والاشباح والانوار والاسرار فى قبضة عزته وخمرها بطينة آدم فى اربعين الف صباح من صبح الازال والاباد حتى خلقه بخلقه وانشأه بروحه فقال خلقت بيدى ونفخت فيه من روحى فباشرت فيه يد الازل والابد وظهر قدس القدم بجميع الاسماء والصفات والنعوت والافعال فصوره بصورة الملك فيتشعب منه اماكن اسرار القديم من خلق الاولين والاخرين وهو صورة عين الجمع التى اظهر الحق منها اوصاف قدمه ألا ترى الى قول سيد البشر صلوات الله عليه كيف قال فى المتشابهات " ان الله خلق آدم على صورته " وهو آدم الثانى { وَخَلَقَ مِنهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } اخبر عن مقام الجمع بقوله { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } ثم اخبر عن التفرقة بقوله وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء وبين بعض ما أشرنا استاد الاستاذين شيخ التمكين عمرو بن عثمان المكى رحمة الله عليه وقدس روحه وقال ان الله خلق العالم وهيأه باتساق نظم واحد من اطرافه وأكنافه وأوله وآخره وبدئه ومنتهاة من اسفله إلى اعلاه وجعله بحيث لا خلل فيه ولا تفاوت ولا فطور أحكم بناء لا باتصال تدبيره وحبسه على حدود تقديره وان اختلفت اجزاؤه فى التفرقة والاجسام والهيئات والتخطيط والتصوير وفرقه بتفرقة الاماكن وحققه بائتلاف المصالح فهو مربوط بحدود تقديره ومتتابع باتصال تدبيره وبث فيه الاجناس بينهما من شواهد الزينة فأظهر القدرة بايجاد آدم ثم بث اولاده فى البسيطة الى تصاريف التدبير لهم والمشيئة قال الله تعالى { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } الاية قوله تعالى { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } أكد التحذير وبين القدرة والتقدير اى احذروا عمن هو قادر لإيجاد الخلق من لا شئ ومن شئ ترك مخالفته فانه قادر ان يعدمكم حتى لم تكونوا ابدا كما لم تزالوا معدوماً والمعدوم محجوب عن ديوان النبوة والولاية واتقوا الله الذى تساءلون به اى اتقوا من فراق الذى تساءلون منه به مشاهدته ووصاله وخوفهم بالارحام اى اجتنبوا من مخالفة اوليائى وقطع رحم الصحبة قال صحبتى موصولة بصحبتهم ومن فارق منهم فارق منى قال الاستاد اى فاتقوا الارحام ان تقطعوها فمن قطع الرحم قطع ومن وصلها وصل . قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ذكر التقوى واكد لتقديس الاسرار وليقع نظرات تجليه على مواقع القلوب وصميم الارواح بلا علة وجود الغير فيها لانه منزه لا يصل اليه الا منزه عن غيره وهو ناظر الى مواطن القلوب من الغيوب ويترفرف انوار قربه عليها فاذا يرى فيها ذكر الغير يرتحل مطايا انواره منها الى معادن الالوهية والربوبية وذلك قوله { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } وايضا هذا مقام الهيبة ووقوع نور العظمة على القلب الصافي بنعت حفظه عن خطرات الحوادث والقلب العارف المنقلب فى معارج الصفات وهو تعالى استأثر حفظه بنفسه لا يكل حفظه الى غيره وبيان ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء " واذا راقب العبد ربه فى البداية راقبه الله فى النهاية كقوله عليه السلام لابن عباس " يا غلام احفظ الله يحفظك " والمراقبة منه الحفظ والكلاءة وفيه بيان تسلية الله سبحانه قلوب المحزونين المشتاقين الى جلاله اى انا ناظر الى اسراركم وأعلم حرقتكم وهيجانكم انى أجازيكم بوصلى وأواسيكم بجمالى وايضا أخبر تعالى عن شوق قدمه قبل الحوادث الى وجوه اصفيائه اى كنت مراقبا بنفسى بغير علة التغاير بخروجكم من العدم الى شواهد القدم ومن شواهد القدم الى نور العدم كما قال وإنى اليهم اشد شوقا وكان اخباراً عن الازلية فى الازلية قال ابن عطاء فى قوله { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } قال عالما بما تضمر من سرك وما تخفيه من خواطرك فراقب من هو الرقيب عليك .