Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 7-16)

Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } وصف الله عرّاف ملائكته الذين البسهم الله قوّة جبروته ونور ملكوته وهم اللاهوتيون يحملون كنز الاعظم بعظمه الله وقوّته والسكر من شراب قربه ومحبته وفيض مشاهدته يطيرون فى هواء هويته بالاجنحة القدوسية والرفارف السبوحية مع مرأة الوجود وكنوز الجود حيث يشاء الحق سبحانه من الاماكن والمشاهد يسبحون مما يجدون منه القدس والتنزيه حمداً لافضاله وبانه منزه عن النظير والشبيه يومنون به فى كل لحظة بما يرون منه من كشوف صفات الازليات وانوار حقائق الذات التي تطمس فى كل لمحة مسالك رسوم العقليات وهم يقرون كل لحظة بجهلهم عن معرفة وجوده ثم بين انهم أهل للرقة والرحمة والشفقة على أوليائه لانهم اخوانهم فى نسب المعرفة والمحبة يستغفرون لهم حين اقروا كلهم بانه تعالى لا يدركه غوص الاوهام ولا يحويه بطون الافهام سالوا غفرانهم لما جرى على قلوبهم من انهم على شئ فى معرفته { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } اوجدت الوجود برحمتك القديمة وعلمك الازلى حتى يخلو ذرة من العرش الى الثرى من رحمتك وعلمك وجعلت الكل مرأة نفسك تجليت منها لاهل الخضوع من العارفين تظهر انوار جمالك منها لاهل رحمتك وهم اهل المحبة والعشق والشوق وتبرز منها بنعت الجلال والالوهية والقدم والبقاء لاهل المعرفة والتوحيد { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } اى اغفر للذين تابوا من وجودهم فى وجودك ورجعوا من دونك اليك واستقاموا سبيل المعرفة بعظمتك وجلالك وعجزهم عن ادراك عزتك بانك تؤويهم الى أكناف قربك وتريحهم من صولة جبروتك بما تكاشف لهم من جمال سرمديتك وعجبت من رحمة الملائكة المقربين كيف تركوا المصرين على الذنوب عن استغفار هذه قطعة زهد وقعت فى مسالكهم اين هم من قولة سيد البشر صلى الله عليه وسلم حين آذوه قومه قال " اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون " اعمّوا الاشياء بالرحمة ثم اخصوا منها لتائبين يا ليت لو بقوا على القول الاول وسالوا الغفران للجميع التائبين والعاصين قال ابن عطا فى هذه الأية من خلقوا مطيعين قائمين لله بالتسبيح والتنزيه يستغفرون لمذنبى المؤمنين وهم غافلون عن الندم على ذنوبهم والاستغفار منها ، قال بعضهم : الطالب للمغفرة من يتبع الرشد ويخالف نفسه ومراده وقال سهل فى قوله فاغفر للذين تابوا من الغفلة وأنسوا بالذكر واتبعوا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } يرفع درجات المريدين الى الكرامات ويرفع درجات المحبين الى المشاهدات ويرفع درجات العارفين الى معرفة الذات والصفات ويرفع اهل المواجيد الى شهود الجمال واهل السلوك الى مشهد العظمة والجلال ويرفع الزاهدين الى الجنان ويرفع المنقطعين اليه الى درجة الايقان والعرفان ويرفع النفوس بعد تقديسها بالمجاهدة والرياضة الى جنته يرفع العقول الى رؤية انوار سلطانه فى برهانه ويرفع الارواح الى قرب مجالس الانس ويرفع الاسرار الى مراقد القدس ويرفع اليه سرا خالصا من جميع الدرجات حتى لا يبقى بينه وبين الحق درجة وصار انوار الذات والصفات منازل شهوده فيكشف كل نور له فيغيب فى الانوار ويفنى فى الاسرار ثم يفنى فى البقاء ويبقى الحق بالحق ولا فوق الحق الا بالحق وهو فوق كل الدرجات بقهر الربوبية وسلطنة الكبرياء وذلك قوله { ذُو ٱلْعَرْشِ } اى ذو العرش الذى يحيط بجميع الكائنات وهو اقل من خردلة فى جلال عزة كبريائه وذكر العرش على حد العقول لان العقل لا يصل الا الى مثله وهناك عالم العقل فتستقر العقول هناك وهو متعلق بافعاله تعالى والافعال قائمة بصفاته وصفاته قائمة بذاته وذلك سر استوائه على العرش فجواب الاستواء قوله ذو العرش اى مقهور لسلطان عزته محتاج الى لباس نور قدرته مكون بايجاده تعالى الله بذاته وصفاته عن ان يشهده الاماكن والجهات هو منور بنور تجلى صفاته وهو مرأة فعله يظهر منها مقدرات والايات وقضيات والعلم والقضاء والقدر وهو روح فعلى فوقه روح صفتى وفوق تلك الروح روح ذاتى وذلك تجلى الصفات وتجلى الذات للعارفين وذلك قوله { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } فيقع الامر على ما ذكرنا فامره فعله وقوله وصفاته وذاته فظهور نور الذات امر خاص للانبياء والمرسلين وظهور نور الصفات امر خاص لاهل المعرفة والتوحيد ونور العقل امر بديهى لاهل محبته والموقنين فى رؤية اياته فهؤلاء مخصوصون بتلك الارواح من حيث الوحى والرسالة والالهام والحديث والكلام والكشف والعيان ليخوّفوا العباد من المشهد العظيم وبروز سطوات عظمة العظيم يوم المشاهدة ويوم المكاشفة ويوم المخاطبة حيث يلقى المحب المحبوب والعاشق المعشوق والعبد الرب والعارف المعروف الموحد الموحّد تعالى بقوله { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } اى يوم كشف اللقاء . ثم وصف ذلك اليوم بقوله { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } اى يوم بروزهم فى ميادين ملكوته وصحارى جبروته بارزون على مراكب النور فى ميادين السرور لو رايت يا حبيبى هنالك زفرات الوالهين وعبرات الشائقين وشهقات المشتاقين وغلبات المحبين وعربدة العاشقين وانبساط الصديقين وسكر العارفين ووله الموحدين وذلك عند كشف نقابه وظهور جمال وجهه تعالى وهو يعلم اسرار الجميع لا يخفى عليه احوالهم واسرارهم قال الله سبحانه { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } محيط بضمايرهم ويعلم مراداتهم فلما تمكنوا يرفع عن ابصارهم جميع الحجب ويريهم سبحات جمال القيومية فيفنى فيها الاولون والأخرون فلما سكنت الارواح وهدأت الاصوات ولا يبقى الا حى قيوم قديم يقول بعزته { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } اى اين المدّعون فى المعارف والتوحيد والمبارزة بالعربدة والانبساط فى مقام المحبة لمن البقاء السرمدى ولمن الجلال الازلى ولمن الكبرياء القدمى اين اصحاب الانائية فاخرس الكل وافنى الكل فيجيب نفسه اذ لا يستحق لجواب خطابه الا هو فيقول { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } الواحد فى وحدانيته القهار فى فردانيته ثبت نسبة الوحدانية اذ الكل مبهوتون فى غشاوة التفرقة القهار من حيث قهر الجمهور ولا يبقى عند سطوات عظمته احد من خلقه فلما اوجدهم من صعقات الفناء يجازى الكل على قدر مقاماته يجازى الزاهدين بالجنة ويجازى العابدين بالدرجة ويجازى المحبين بالمشاهدة ويجازى المشتاقين بالمكاشفة ويجازى العارفين بالوصلة ويجازى الموحدين بمطالعة سر الاولية والاخرية .