Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 124-127)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بقوله { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } بين انه يعلم من بطنان صميم الفؤاد والارواح والاسرار خزائن مواهبه السنية من النبوة والولاية والرسالة والمحبة والمعرفة ونبهنا بأنه أراد في الأزل وضع ودائع أسراره فى الملكوت القلوب فنظر من نفسه الى نفسه فاشرق نور صفاته وذاته وسطع ضياء مشاهدته ثم عكس ذلك الى غيب غيبه فاظهر منه ارواح القدسية الملكوتية اللاهويته فوضع فى نفوسها انوار الولاية والرسالة والنبوة وافردها بتلك الخاصية عن جميع الخلائق تفضلاً وكرماً ما اعتراه فى ذلك علة الحوائج لكن جعلهم سبل الخلق والمناهج بهم تهتدوا الى عبودية خالقهم وعرفان ربوبية سيدهم ومن خصه الله بذلك لا يضره حسد الحاسدين ولا كيد الكائدين بل يزيد شرفه أبد الآبدين والحمد لله الذى خص نبينا بذلك صلى الله عليه وأله وسلم إرغاماً لأنوف عواديه وانتصاراً لمواليه وقال النصرابادى الله يعلم الاوعية التى تصلح لسره ومنازلاته ومكاشفاته فيزينها بخواص الانوار ويلطفها بلطائف الاطلاع قال ابو بكر الوراق كما ان الملوك يعلمون مواضع جواهرهم وخزائنهم ويجعلونها فى اشرف مكان وأروحها واخصها فالله يعلم حيث يجعل ويضع نبوته ورسالته وولايته ثم ان الله سبحانه اذا اراد ان يضع جوهر معرفته فى وعاء قلب عبده يفسحه نور تجلاه ويكسيه لباس نور كسوة ربوبيته ليطيق حمل اثقال امانته من المعرفة والمحبة والولاية يسهل عليه حمل عظيم ودائع اسراره وفوادى طوارق انواره بقوله { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } اى من يرد الله ان يهديه الى نفسه ويعرفه صفاته ويريه جلال ذاته يوسع صدره بلطيف انوار قربه وحلاوة خطابه حتى يعرفه به لا بسواه ويراه بنوره لا بنفسه قال النهرجورى صفة المراد خلوة مما له وقبوله مما عليه وسعة صدره بمراد الحق عليه قال الله { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } يقال فى هذه الآية نور في البداية هو نور العقل ونور في الوسائط هو نور العلم ونور في النهاية هو نور العرفان فصاحب العقل مع البرهان وصاحب العلم مع البيان وصاحب المعرفة فى حكم العيان وفى تفسير هذه الآية اخبر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من كيفيته وأماراته فيما روى ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } قالوا يا رسول الله ما هذا الشرح قال " نور يقذف فى القلب فيفسح له القلب " فقيل هل لذلك من امارة يعرف بها قال " نعم " وقيل وما هى قال " الإنابة الى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل النزول " بين عليه السلام بوقوع نور التجلى فى القلب فسحته بانتشار سناه فيه بعد ما خلا بالله من بوادى اسراره والباسه ضياء قربه ووصاله وذلك محض الجذب بنعت العناية الى مشاهدته فنعته فى ذلك التسارع فى عبوديته وسرعة انقياده لظهور ربوبيته وغلبة شوق جماله عليه عند تجافيه عن كل مألوف ومحبوب وهذا احسن الصراط الى الله المستقيم عن الاضطراب من جهة النفس والاعوجاج بالقاء العدو بقوله { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } الصراط المستقيم بالحقيقة طريق الصفات الى الذات بنعت المعارف والكواشف والاشارة فى قوله { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } دليل قولى لان هذا اشارة الى القرآن والقرآن صفته القديم وهو طريق الى ذلك القديم بنعت مباشرة التجلى ووجدانه بوصف المحبة والمعرفة قال ابن مسعود صراط ربك هو القرآن لذلك ارتضى لنفسه لانه صفته وهو صراط ممهد لسير الارواح من معادن الاشباح الى عالم الافراح مستقيم لقوامه بذاته القديم لا ينقطع المعتصم بحبله والمقتدى بأسوته وايضا فيه نكتة شريفة وهى ان قوله { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ } خصه لنفسه اى هوياتى بنعت تجلاه وظهور الصفات والذات بهذا الطريق الى اصفيائه واوليائه واحبائه لم يقل هذا صراطكم الى بل قال { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ } الذى أكشِفُ فيه نقاب الحشمة عن جمال وجهى حتى ينظر إلىّ من يتمسك بحبلى المقبل الى بصراطى قال ابو عثمان اهدى الطرق واقومها طريقة المتابعة وادهى السبل واصلها طرق الدعاوى بالمخالفة قال سهل التوحيد والإسلام صراط ربك مستقيما ولما هداهم الى صراطه المستقيم ومنهجه القويم الذى ينكشف جلاله وجماله لسالكه الذى لم يكن لإقباله ادباراً ولم يكن لهفوانه اصراراً وصفهم بالسلامة فى دار رضوانه ومربع غفرانه وجعل لهم هناك منازل الرفاهية وفتح فيها عليهم روازق العافية التى هى مشاهدته بلا حجاب بقوله تعالى { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ } دار السلام ساحة جلاله وحظائر قدس صفاته ومساقط وقوع انوار الجلال التى منزهة عن خطر الحجاب وعلة العتاب وظرفان العذاب حاشا منها عند الكريم الوهاب الذى هو وليهم بنعت رعايتهم وكشف جماله لهم بالعوافى الابدية والسلامة السرمدية وايضا السلام هو الله سبحانه الذى وصف نفسه بالسلام لئلا تفرق منه قلوب العارفين ولا يفزع من جماله ارواح المحبين ولا يخاف من جلاله أسراره الواصلين لانه معدن سلامة المقبلين اليه بنعت المحبة وداره قلوب عشاقه التى هى محل كنوز اسارره ومواهب انواره ومعدن انبائه العجيبة ولطائفه الغريبة وفواتح لوامع سبحاته الأزلية وهي بتقلبه في أنوار الصفات والذات بقوله { عِندَ رَبِّهِمْ } ولقول صفيه عليه الصلاة والسلام " " القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء " وهو وليهم تعالى بحفظها ورعاتيها حتى لا يدخلها هواجس النفسانية وغمرات وساوس الشيطانية ما احسن مناظرها وما الطف مطالعها وما اكرم لطائفها وما انعم بهجتها وما اطيب حلاوة محبتها وايضا علقهم بالدار الكرامة الجار ولو علقهم بالجار لم يبق فى البين لحديث الدار لكن بقى فى القوم بعض إزاغة ابصارهم بنعت الالتفات عند الامتحان الى غير وجه الرحمن من النعيم والجنان فعلقهم بها لوقوع علة الحدثان لكن بفضله ما خلاهم فيها حين قال