Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 59-59)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } غيبه ذاته القدمى وهو خزانة اسرار الأزل والآباد ومفاتيحها صفاته الازلية لا يعلم صفاته وذاته بالحقيقة الا هو تعالى بنفسه فنفى الغير عن البين لا حيث ولا بين فمن اشارة الاحدية المفتاح والخزانة واحد لانه متفرد بصفاته وذاته عن الجمع والتفرقة قال الله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } الآية قال علمه مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } إلى قوله : { عَلَيمٌ خَبِيرٌ } قال السيدي من كبار المفسرين مفاتح الغيب خزائن الغيب وايضا مفاتيح الغيب عنده انوار عنايتة الازلية التى سبقت منه بنعت الكرم والفضل لانبيائه واوليائه وملائكته وغيبة ذاته وصفاته تعالى لانه كنزهم القديم الباقى الا ترى الى قوله " كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف " فيفتح بلطفه بتلك الانوار الازلية التى سماها المفاتيح لهم ابواب خزائن صفاته وذاته ليعرفوا كنز القدم بانوار القدم وهو تعالى يظهر مكنون اسراره من ذاته وصفاته لهم وهم يستخرجون من بحار الذات والصفات جواهر علومه الازلية والابدية ليضوحوا بأنوارها طرق العبودية لعباده ويبينوا مدارك المعاملات ومراقى الحالات لهم وقوله { لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } اى لا يعلم الاولون والآخرون قبل اظهاره تعالى ذلك لهم ولا يعلم حقائق اقدارها الا هو لانه تعالى عرف قدره بالحقيقة لا غير وايضا لا يعرف طريق وجدانها والوسيلة اليها الا هو هو بذاته تعالى عرف طرقها لاهلها قال تعالى { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ } من رسول وايضا له مفاتيح لغيبه ومن تلك المفاتيح التى تعطى قاصديه وطالبيه فى بدو شانهم ما داموا صادقين هى المعاملات السنية والمقامات الشريفة التى يستفتح بها لهم خزائن الملكوت والجبروت ويستخرج منها انوار المحبة والشوق والعشق والمعرفة ودرجاتها والتوحيد ومكاشفاته وعلومه فيصلون بها الى وصاله الابدى وقربه الجلالى وايضاً له مفاتيح اللطفيات والقهريات يفتح بها ابواب انوار المعرفة للاولياء ويفتح بها ابواب ظلمات الطبيعة للاعداء وايضا عنده مفاتيح غيب الدرجات يفتح للقلوب خزائن المشاهدات وللارواح خزائن المكاشفات وللعقول خزائن المعارف وللاسرار خزائن علوم الذات والصفات وللاشباح خزائن المعاملات يفتح للانبياء بها خزائن المعجزات ويفتح للاولياء خزائن الكرامات ويفتح للمريدين خزائن الفراسات قال الجريرى { لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } ومن يطلعه عليها من صفي وخليل وحبيب وولى وقال ابن عطاء هذه الآية يفتح لاهل الخير المحبة والرحمة ولأهل الشر الفتنة والمهانة ولاهل الولاية الكرامة ولأهل السرائر السر ولاهل التمكين جذبا وقال ابن عطاء الفتح فى القلوب الهداية وفى الهموم الرعاية وفى الجوارح السيارة وقال ايضا يفتح للانبياء المكاشفات وللاولياء المعاينات وللصالحين الطاعات وللعامة الهدايات وقال ابو سعيد الخراز فى هذه الآية ابدى ذلك لنبيه وحبيبه فتح عليه أولاً اسباب التأديب ادبه الامر والنهى ثم فتح عليه اسباب التهذيب وهو المشية والقدرة ثم اسباب التذويب وهو قوله { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } ثم اسباب التغييب وهو قوله { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } فهذه مفاتح الغيب التى فتحها لنبيه صلى الله عليه وسلم وقال جعفر عليه السلام يفتح من القلوب الهداية ومن الهموم الرعاية ومن اللسان الرواية ومن الجوارح السياسة والدلالة قوله تعالى { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } أي يعلم عجائب بحر غيب لطفه الازلى للانبياء والاولياء ويعلم عجائب بحر غيب قهره للاعداء وايضا يعلم ما فى بحار الغيوب وبرارى القلوب وايضا يعلم ما فى بحار القلوب من عجائب الحكم وجواهر الكرم وأصداف المعارف وألطاف الكواشف ويعلم ما فى برارى النفوس وبناتها من الوان الشهوات قوله تعالى { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ } لا تسقط ورقة من اوراق اشجار الغيوب الى فضاء القلوب من سطوة صرصر رياح القهر واللطف التى هى حكمة من حكم علوم الازلى الابدى وايضا ما يسقط ورقة من اوراق تجلى الجمال والجلال من شجر القدم على قلوب المحبين والمشتاقين والعارفين الا بعلمه على خاصيتهم واصطفائتهم بذلك ولا يكون حبة المحبة فى غيوبات قلوب المحبين الا هو تعالى يربيها بمياه لطفه ورياح كرمه وبياض نهار مشاهدته وليل إسبال ستر رعايته حتى رسخت أصلها في أرض القلب وأثمرت فرعها فى سماء اليقين قال تعالى { أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } اخبر سبحانه باحاطة علمه على كل ذرة من العرش الى الثرى وعن شمول انوار سلطان كبريائه بنعت الغلبة على جميع الحدثان ظاهراً وباطناً { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } وهدد به العباد ليفرغوا منه اليه عند كل خاطر يخطر على قلوبهم يشير الى غيره فانه يعلم السر واخفى وبين ان جميع المقدورات من العرش الى الثرى فى كونيتها من العدم الى الوجود ومن الوجود الى العدم يكون بسابق مشيئته الازلية وإرادته القديمة وان جميعها مكتوب على الواح الصمدية باقلام اقداره الغربة محفوظة من تغير الحدثان فى تلون الزمان والمكان وصحة ذلك قوله سبحانه { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } رطوبتها من اثر نسيم شمال ربيع لطف مشاهدته وخضرتها من نضارة ظهور عرائس قدرته وصفرتها من تاثير رياح خريف قهره وسقوطها من حدة صولة نظر عظمته وبدوها خضوعاً لربوبيته وزوالها من تقديس جلاله عن علة الكون والوجود والعدم قال الواسطى فى قوله { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } متى علمها حين لامتى قيل نصرتها وحضرتها وذهابها حتى لا يوجد منها شئ فما ستر من صفاته وما اظهروا حدا ذلك على قدر الكون انما يتكلم باقدارنا ويشير بأخطارنا ولو كان قدره كان الهلاك وقيل فى قوله { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ } فالاضطرار فى ان تقدم ما أخر أو تؤخر ما قدم منازعة لربوبيته وخروجا عن عبديته قال ابو سعيد القرشى فى هذه الآية ما من دابة إلا ولها ورقة خضراء معلقة من تحت العرش فاذا يبست الورقة وقعت بين يدى ملك الموت مكتوب عليه اسمه واسم ابيه يعلم ملك الموت قد امر به بقبض روحه فقبض روحه وفى الحديث المروى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال " ما من زرع على الارض ولا ثمار على الاشجار الا عليها مكتوب بسم الله الرحمٱن الرحيم هذا رزق فلان بن فلان وذلك قوله فى محكم كتابه { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } " الآية .