Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 79-82)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنِّيْ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِيْ فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } اى انى متوجه بعد تبرئي من الحدث بنعت تجريدى فى التوحيد الى شرف القدم الذى بدا من انوار فعله كل وسيلة وهذا معنى قوله تعالى { حَنِيفاً } مسلما حنيفا قائلا عما دونه مسلما منقاداً بنعت الرضا عنده { وَمَآ أَنَاَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِيْنَ } الذين يشيرون الى الوسائط فانى ذاهب الى ربى سيهديني منى اليه حتى ابقى بنعت الفناء فيه قبل كمن فيه كواكب الوحدانية وشموسها واقمارها فغلب بها الشكوك فى رؤية الاقمار والنجوم والشموس قال الواسطى فى قوله { رَأَى كَوْكَباً } قال انه كان يطالع الحق بسره لا الكوكب وكذلك الشمس والقمر بقوله { لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } عند رجوعه الى اوصافه بارتفاع المعنى البادى عليه اى لا احب زوال ما استرقّ ذاتى من لذة المشاهدة فاذهلنى واحضرنى فيه وقال بعضهم لما أظلما عليه الكون وعمى عن الاختيار وألجأه الاضطرار الى نفس الاضطرار ورد على قلبه من أنوار الربوبية فقال { هَـٰذَا رَبِّي } ثم كوشف له عن انوار الهيبة فازداد نورا فصاح ثم افنى بنور الالهية عن معنى البشرية فقال { لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي } ثم ابقى ببقاء الباقى فقال { يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } قال الواسطى فى قوله { لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي } لئن لم يقمنى ربى على الهداية التى شاهدتها باعلام بواديه { لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } فى نظرى الى نفسى وبقائى فى صفاتى قيل فى قوله { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } من الاستدلال بالمخلوقات على الخالق بعلمى انه لا دليل على الله سواه قال الواسطى فى قوله { وَمَآ أَنَاَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِيْنَ } أي منى الدعوة ومن الله الهداية وقال جعفر عليه السلام فى قوله { إِنِّيْ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ } يعنى أسلمت قلبي للذى خلقه وانقطعت اليه من كل شاغل وشغل بالذى فطر السموات والارض فان الذى رفع السموات بغير عمد ترونها واظهر فيها بدائع صنعه قادر على حفظ قلبى من الخواطر المذمومة والوساوس التى لا تليق بالحق قال بعضهم كان لابراهيم خليل الرحمٰن عليه السلام مقامات الاول مقام الفاقة والثانى مقام النعمة والثالث مقام المعذرة والرابع مقام المحبة والخامس مقام المعرفة والسادس مقام الهيبة فتكلم فى مقام الفاقة بلسان الدعوة فقال { ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ } وفى مقام النعمة بلسان الشكر وقال { ٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } وفى مقام الاعتذار بقوله { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } وفى مقام المحبة بلسان المودة { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } وفى مقام المعرفة بلسان الانبساط { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } وفى مقام الهيبة بالسكون لما قال له جبرئيل هل لك من حاجة قال اما اليك فلا وقال الاستاذ في قوله { فلما كوكبا } يعني أحاط جوف الطلب ولم يخيل له صباح الوجود فطلع له نجم العقول فشاهد الحق بسره بنور البرهان فقال { هَـٰذَا رَبِّي } ثم زيد فى ضيائه فطلع له قمر العلم فطالعه بشرط البيان فقال { هَـٰذَا رَبِّي } ثم أسفر الصبح ومنع النهار فطلع شموس العرفان عن برج شرقها فلم يبق للطلب مكان ولا للتجويز حكم ولا للتهمة قرار فقال { يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } اذ ليس بعد الغيب ريب ولا عقب الظهور سر قوله تعالى { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } اى الذين شاهدوا الله بوصف المعرفة والتوحيد لا برسم الاستدلال بالاكوان والحدثان ولم يتجاوزوا في مقام المشاهدة عن مقام العبودية الى مقام الانانية من مباشرة احكام الربوبية وحسن تجليها فان العارف اذا بقى عند المشاهدة فى مقام العبودية فنعته صحو وتمكين وهو فى غاية المعرفة وهو مقام النبى صلى الله عليه وآله وسلم عند قوله " انا العبد لا اله الا الله " فاذا تجاوز منه بذوق ادراك نور الربوبية الى الانانية فنعته السكر والتلوين وهو فى مقام الاضطراب غير بالغ فى المعرفة كمن ادعى الانانية بقوله انا الحق وسبحاني فان دعوى الانانية هٰهنا ظلم والظلم وضع الشئ فى غيره موضعه فمن بقى بوصف العبودية فى المشاهدة وقاه الله بوقاية التوحيد وللمعرفة الخاصة عن يسلبه غمرات السكر التى توقع السكران الى هتك الاسرار ودعوى الانانية وهذا معنى قوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } به اليه وايضا اشارة الآية الى من لا يرجع فى مشاهدة الله الى الحدثان كما وصف نبيه عليه السلام بمقام الدنو والتمكين في دنو الدنو بنعت الاستقامة فى مشهد القرب حيث ما زاغ سره الى غيره بقوله { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } لان من التفت منه الى غيره وان كان الجنة فقد اشرك فى حقائق التوحيد { ٱلأَمْنُ } مقام الامن لا يحصل لاحد ما دام بوصف الحدثية وكيف يكون آمنا منه وهو فى رق العبودية ويعرف نفسه بها ويعرف الحق بوصف القدم والبقاء وقهر الجبروت وقال الله تعالى { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } فاذا راى الله سبحانه بوصف المحبة والعشق والشوق وذاق طعم الدنو واتصف بصفات الحق بدأ له اوائل الامن لان فى صفة القدم لا يكون علة الخوف والرجاء لان هناك جنة القرب والوصال وهم فيها آمنون من طوارق القهر وهم مهتدون ما داموا متصفين بصفاته وان كانوا فى تسامح من مناقشة الله بدقائق خفايا مكره قال ابن طاهر فى قوله { لَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ } لم يرجعوا في النوائب والمهمات إلى غير الله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ } الكفايات { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } راجعون إلى من إليه المرجع وقال الاستاذ اى الذين اشاروا الى الله ثم لم يرجعوا الى غير الله .