Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 21-24)

Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } حذر الله الصادقين عن دعاوى الباطلة التى لم يكن معها المعنى فان سماع الظاهر بغير فهم ومتابعة امر فهو سماع غفلة ثم وصف هؤلاء المدعين بانهم اغفل من الحيوان بقوله { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُون } الصم عن استماع هواتف الغيب والبكم عن نشر فضائل المعرفة ووصف المعروف بنشاط المعرفة ورؤية المشاهدة وذلك ميراث جهالتهم بانفسهم ومعرفة صانعهم من طريق العقل والعلم فى كل موضع العقل هناك امير البدن لا تقبل عن صاحبه الا النظر الى الحق والسماع من الحق والقول بالحق قال بعضهم من سمع ولم يوثر عليه فوائد السماع وزوائده فى احواله فهو غير مستمع ولا سامع والمستمع على الحقيقة من يرجع من حال السماع بزيادة فائدة او بزيادة حال ومن حضر مجالس السّماع ولم يرجع بزيادة فانما يرجع بنقصان قال الله { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا } الآية وقال بعضهم الصم عن سماع الذكر وفهم معانيه والبكم عن مداومة تلاوة الذكر وطلب الزيادة منه الذين لا يعقلون ما خوطبوا به وما خلقوا له وما هم صائرون اليه فى المآب وقال الاستاذ صم عن ادراك ما خوطب به وسره وعمى عن شهود ما كوشف به قلبه وخرس عن اجابة ما ارشد اليه من مناجحة فهمه وعقله فدون رتبة البهائم قدره وفوق كل خسيس من حكم الله ذله وصغره ثم ان الله سبحانه اضاف حرمانهم من فهم الخطاب وادراكه حقائقه ومتابعة امره الى قسمة ازله ومشيئته سابق حكمه بقوله { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُون } اى لو علم الله فى قلوبهم خير اصطفائيته الازلية لاسمعهم حقيقة خطابه وعرّفهم مكان مراده فيه ولكن ما داموا لم يكونوا مصطفين فى الازل الخيرية الاصطفائية ما اسمعهم لطائف كلامه وما عرّفهم مواضع انبائه العجيبة وحقائق حكمه الغريبة وبين انه تعالى لو اسمعهم خطابه بنعت ما وصفنا لم يدركه وهم معرضون عن متابعة امره لانهم محرومون فى الازل عن رؤية حسن حضرته وادراك اجتبائه قال يحيى بن معاذ ان هذا العلم الذى تسمعونه انما تسمعون الفاظه من العلماء ومعانيها من الله بآذان قلوبكم فاعملوا و تعقلوا ما تسمعون فان لم تعملوا كان ضره اقرب اليكم من نفعه قال بعضهم علامة الخير فى السماع لمن سمعه بفناء اوصافه نعوته وسمعه بحق من حق وقال الأستاذ : من أقصَتْه سوابق القسمة لم يدنه لواحق الخدمة ولما وصف حرمان الزائغين عن الحق وعرفان الخطاب خاطب اهل ارادة المحبة ودعاهم الى مشاهدته وقربه وطلب منهم إجابة دعوته بنعت متابعته ومتابعة رسوله بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } طيب ارواحهم بنسيم روائح قدس ندائه وفتح آذان قلوبهم بحلاوة دعاته وشوق اسرارهم بلذيذ خطابه وجعلهم مستبشرين بلطيف حكمه على وجدانهم انوار قربه الا ترى كيف قال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية استجيبوا لله دعاءه لا لانفسكم وحظوظكم وطلب اعواض اعمالكم استجيبوا ببذل ارواحكم واشباحكم لداعية الازل حيث دعاكم منه اليه قبل وقوع حدوثيتكم دعاكم بوصف السرمدية من محبته لكم وشوقه اليكم فاحبوه واشتاقوا اليه بمحبته وشوقه واستجيبوا للرسول بمتابعة امره فانه روح الصغرى من عالم الملكوت ادرك من روح الكبرى وهى نعوت الجبروت حياة القدم يحييكم بروح الصغرى والكبرى وايضا لما يحييكم اى مشاهدة الازلية وقربته الابدية ومحبته الصفاتية ومعرفته الذاتية قال الجنيد فى هذه الايَة قرع اسماع فهومهم حلاوة الدعوة وتنسموا روح ما ادّته اليهم الفهوم الطاهرة من الادناس فاسرعوا الى حذف العلائق المشغلة قلوب الموافقين ومعها وهجموا بالنفوس على معانقة الحذر وتجرعوا مرارة المكابدة وصدقوا لله فى المعاملة وحسن الادب فيما توجهوا اليه وهانت عليهم المصيبات وعرفوا قدر ما يطلبون واغتنموا سلامة الاوقات وسجنوا همومهم عن التقلب إلى مذكور سوى وليّهم فحيوا حياة الابد بالحى الذى لم يزل ولا يزال فهذا معنى قوله { ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم } وقال الواسطى فى قوله { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } حياتها تصفيتها من كل معلول لفظا وفعلا وقال جعفر اجيبوه الى الطاعة ليحيى بها قلوبكم وقال ايضا { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } الحياة هى الحياة بالله وهى المعرفة كما قال الله { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } وقال بعضهم استجيبوا لله بسرائركم وللرسول بظواهركم اذا دعاكم الى ما يحييكم حياة النفوس بمتابعة الرسول وحياة القلب بمشاهدة العيوب وهو الحياء من الله برؤية التقصير وقال جعفر الصادق حياة القلوب فى المعاشرة وحياة الارواح فى المحبة وحياة النفوس فى المتابعة ولما دعاهم الى مشاهدته بنعت الشوق عرفهم ان قلوبهم مسلوبة منهم بكشف جماله والقاء محبته ومعرفته فيها بقوله { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } اى قلوبكم معى فاتبعوا اثرها واطلبوها منى حتى اطهرها لكم منقلبات فى بحر الصفات والذات حابرات فى المشاهدات ساكرات بشراب القربات دانيات منى فانيات فى باقيات معى لو تعرفونها تعرفوني لذاك قال عليه السّلام " من عرف نفسه فقد عرف ربه " لانه نفس النفس وقلب القلب وروح الروح وعقل العقل وحياة الحياة ثم وصف عليه السلام تقلبها فى عيون الصفات بنعت البقاء وسباحتها فى بحار الذات بنعت الفناء بقوله " القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن " قيل ان الله اشار الى قلوب احبابه بأنه ياخذها منهم ويجمعها لهم ويقلبها بصفاته كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " قلب ابن آدم بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء " فيختمها بخاتم المعرفة ويطبعها بطبائع الشوق وقيل { يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } اى عقله وفهمه عن الله خطابه وقيل يحول بين المؤمن والايمان وبين الكافر والكفر يردهما الى الذى سبق لهم منه فى الازل ويقال حال بينهم وبين قلوبهم لئلا يكون لهم رجوع الا الى الله .