Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 111-112)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } يقتضى همة المعرفة انه اغار على نفسه فى الازل بعد ان وصف نفسه بمحبتهم فمنهم عن نفسه وشغلهم بنعمه مكرا بهم واستدراجا اشترى نفسه منهم لانه بذاته نفس الكل حيث قامت الوجود بنفسه ولولا قيامة على شئ تلاشت الاشياء ما قل من لمحة عرض نفسه الحدثان ولم يرها اهلا لنفسه فاشترى نفسه من نفسه لعلمه بضعف الخلق عن حمل وارد تجلى عظمة نفسه وكيف يقوم الحدث جلال القدم هو تعالى قيمة نفسه لا غير اشترى شفقة عليهم كيلا يتلاشوا فى سبحات عزته ثم اشترى اموالهم وهى كشوف نعوته الازلية وتمتعهم بمشاهدتها حتى لا يبقى سر العدم الا فى القدم فلما قطعهم عن رؤية سسبحات القدم بالحقيقة شغلهم بما يليق بهم وهى الجنة وايضا لم ير للنفوس والاموال نفاسة حيث اشتراها بالجنة ولو كان لها موقع لاشتراها بنفسه لا بشئ محدث وايضا اشترى النفوس لانها حجاب القلب من الرب وكذلك المال حتى لم يبق بينه وبين الرب حجاب وايضاً اشترى منهم النفوس التى تحت سلطانهم بالمجاهدات وما اشترى قلوبهم لان قلوبهم لم يدخل تحت املاكهم فانها مستغرقة فى رؤية الصفات وقال ابن عطاء نفسك موضع كل شهوة وبلية ومالك محل كل اثم ومعصية فاراد ان يزيل ملكك عما يضرك ويعوضك عليه ما ينفعك عاجلا واجلا قال سهل لا نفس للمؤمن لانها دخلت فى البيع من الله فمن لم بيع من الله حياته الفانية كيف يعيش مع الله ويحيى حياة طيبة قال الله { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } وقال جعفر فكر بهم على لسان الحقيقة ولسان المعاملة اشترى منهم الاجساد لمواضع وقوع المحبة فى قلوبهم فاحياهم بالوصلة وقال الحسين نفوس المؤمنين نفوس ابية استرقاها الحق فلا يملكها سواه وقال النصرابادى سئل الجنيد متى اشترى قال حين لا متى ازال عنهم العلل بزوال ملكهم عن انفسهم واموالهم ليصلحوا لمجاورة الحق ومخاطبه وقال النصرابادى اشترى منك ما هو صفتك والقلب تحت صفته لم يقع عليه المبايعة قال النبى صلى الله عليه وسلم " قلب ابن ادم بين اصبعين من اصابع الرّحمن " فقال النفس محل الغيب والكريم يرغب فى شراء ما يزهد فيه غيره وما سنح لى بعد قولهم وما ذكرت فى مقدم قولهم انه تعالى البس النفوس حين اوجدها لباس قهر الربوبية فاستحطت من مباشرته وصف الكبرياء فلما اتصف بقهره تعالى نازعته فعلم الحق تعالى لو تركها مع المؤمنين اغوتهم كما اغوت فرعون بقوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } وكما قال ابليس { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } فهلكها بقهره حتى لا يبقى فى المؤمن غير العبودية ثم ان الله سبحانه فرّح فؤاد العارفين بوفائه معهم وخطابه بأخباره عن صدقه بوفائه ليكونوا فى بذل وجودهم وقتل نفوسهم والجهاد مع عدوهم على حسن الظن فى الله وحسن الرضا الى وعد الله وفائه بعهده بقوله { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } اى كل حادث ناقص فى امر المستقبل والقديم منزه عن نقائص الحدثان فيفعل بموجب الاخبار على موافقة الحكم ويعطى للعبد ما وعد به واكثر إظهاراً لربوبيته ومنا على عباده قال الحسين عهد الحق فى الازل الى خواصه باختصاص خاصية خصهم من بين تكوينه فاظهر اثار انوار ذلك عليهم عند استخراج الذر فراى ادم الانوار يتلالأ فقال من هؤلاء ثم اظهر سمات ذلك حين اوجدهم وهو اثار ذلك العهد الذى عهد اليهم فوفى لهم بعهودهم ومن اوفى بعهده من الله ثم ان الله سبحانه بشر المؤمنين باشترائه نفوسهم منهم وبما يجازيهم بها من لطفه وكرمه وفضله ومشاهدته بقوله { فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } اضاف اشتراء النفوس الى نفسه اشتراها فى الازل واضاف بيعها الى المؤمنين واين المؤمنون فى الازل واقام نفسه مقام المؤمنين لاشارة مقام الاتصاف والاتحاد كما اشار الى النبى صلى الله عليه وسلم بقوله { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } والاية من قبيل عين الجمع بشرهم نبيهم والغرض من ذلك المشترى اى بشروا بمتابعتكم معى حيث اصطفيتكم بخطابى وشرائى الذى ينبئكم عن كريم لطفى بكم بانى اعطيكم ما وعدتكم بلا عذاب ولا حساب واكشف عن وجهى قناع الجبروت واريكم جمالى وجلالى وذلك قوله سبحانه { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } قال النصرابادى البشرى فى هذا البيع انه يوفى بما وعد بان لهم الجنة ويزيد لمن يشاء فضلا منه وكرماً بالرؤية والمشاهدة ثم وصف اهل ذلك البيع والشرى باوصاف المقامات مفصلا ومقسماً بعد ان جعل جميع الاوصاف فى اسم العام الذى هو المؤمن وذلك الاسم اسم جامع لمعان كثيرة وهى ما وصفهم الله بهذا فى قوله { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } بين تسع مقام وذكر فى اولها ذكر الايمان حيث قال { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } لان الايمان اصل جميع المعاملات والحالات والدرجات والمنازلات وهو اصل جميع الخيرات فى الدنيا والاخرة وهو تعريف الله نفسه لعبده بعد ان جعله عاقلا مستعدا لمعرفته فهما لخطابه ومن الايمان ينشعب هذه الخصال وهذه المقامات فصار قسمة المقامات عشرة مع الايمان والايمان اولها والمؤمن ممتحن ببلايا المعرفة من الله فيذوق مرارة الفرقة بعد ذوق الوصلة فيقع بتوفيق الله السابق فى الازل فيوفضه من نوم الغفلة وينبهه من قدرة الفرقة حتى يتنبه ويفتح عين قلبه فيعرف ما افسد النفس والشيطان فى مضارع قلبه بذئاب الشهوات وسباع الشبهات ويرى خيول الهوى فى محل الروح الناطقة فيهيج سره نور الايمان الى اخراجها من منظر نظر الله فيقدس اسراره من النظر الى الاغيار ويخرج نفسه من منازل الاغترار ويندم على ما فاته من اوقات الطاعات ويرجع بالحياء والخجل الى ابواب المداناة وتستانف عمل الارادات حتى يستحق له مرتبة التوبة فيتوب الله عليه بعطف وصاله وكشف جماله فالتائبون قوم رجعوا من غير الله الى الله واستقاموا بالله مع الله ولا يرجعون من الله الى غير الله ابدا ثم يوجب هذه الاوصاف للتائب الصادق في العبادات والمجاهدات والرياضات حتى يذوق طعم العبودية ويجحد الحرية عما سوى الله حتى يكون عبد الله لا بغير الله ويرى مشاهدة الله فى عبادة الله بعين الاحسان ونور الشرقان كما قال سيّد فرسان العالمين فى ميادين المعرفة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإحسان ان تعبد الله كأنك تراه " فالعابدون القائمون بالله فى الله عن غير الله فاذا تم هذه النعم لهذا العابد يقتضى حاله حمد المنعم القديم باحسانه السابق للعابد فى الازل بانعامه فيحمده بوصل الخجل وخرس ألسنة اسراره عن البلوغ الى ثنائه فيحمده بلسان حمده بنعت نسيان غيره فى حمده فيحمد منعمه بنعمة تعريف نفسه له فستغفر لسان الحمد من صفته فيصفه بصفته لا بوصفه لان الحادث كيف يطيق ان يحمد القديم الا ترى كيف رأى النبى صلى الله عليه وسلم نفسه عن حمده فى رؤية جلاله مقصرة عن البلوغ الى حقيقة حمده وثنائه بقوله " لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك " فالحامدون الذاكرون الله لجميع الوجود ظاهرا و باطنا سرا وعلانية حتى لا تخلو شعره منهم إلا ولها لسان من الله يحمد الله به فى جميع الانفاس المستغرقون فى بحار امتنان مشاهدته ثم يقتضى حمده للحامد جسر النفس عن مألوفاتها حين عاين هلال جماله فى سماء الايقان الا ترى كيف قال عليه السّلام " صوموا لرؤيته " ولا يكون فطوره الا حلاوة مشاهدته لقوله عليه السّلام " وأفطروا لرؤيته " فالسائحون السيارون بقلوبهم فى الملكوت الطائرون باجنحة المحبة فى هواء الجبروت ثم الساحة فى اقطار الغيب يقتضى المشايخ الخضوع بنعت الفناء عند مشاهدة العظمة والكبرياء فى مراكع الكشوف فيركع بنعت السكر لجبروته فى كل موطن من العالم شوقا الى جود جماله وحسن وصاله فالراكعون العاشقون المنحنيون من ثقل وقار المعرفة على باب العظمة من رؤية الهيبة ثم يقتضى ركوع هذا الراكع شهود اسراره فى منازل الانوار لطلب جمال الملك الغفار جل جلاله وعز كبرياؤه فيسجد عند كل كشف فى كل موضع وحش حتى يصير مدهوشا فى دهشة بديهة كشف جماله من كل قبلة فى العالم فيسجد لجميع الجهات لغيبة فى معاينات الصفات وهكذا كان هشام بن عبدان الشيرازي رحمة الله عليه فى سكره ومات بهذه الصفة بارك الله فى حياته ومماته وجعلنا مثله فى عرصات المقبولين بسيف محبته وكشف مشاهدته { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } فالساجدون الشاهدون مشاهدة الغيب بعد كشف الغيب حرقة وهيجاناً وشوقاً وهيمانا انشد @ لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزّة ركعاً وسجوداً @@ وهذه السجود يقتضى التوبة والقربة تقتضى المشاهدة والمشاهدة تصيّر شاهدها متصفاً بصفاتها فمن وقع فى نور اسماء الله وصفاته صار متصفاً بوصف الربوبية متمكناً فى العبودية فيحكم بحكم الله بهذه النعوت وقال { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } الداعون الخلق الى الحق بلسان الظرافة ومباشرة المعاملة الباذلون انفسهم لله فى دفع النصرة عنهم واخراجهم عن معصية الله بتأييد الله وبما كساهم الله من انوار هيبته وكسوة سنا عظمته فيكونون محتشمين باحتشام بين الخلائق فنهاهم عن متابعة الشهوات بعد منعهم نفوسهم عن جميع المخالفات قال تعالى { وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } الناهون نفوسهم عن الهواجس وشياطينهم عن الوساوس وقلوبهم عن طلب الاخرة وارواحهم عن وقوفها فى مقام المحبة لان الازلية بلا نهاية والوقوف على منزل واحد حرام على كل العاشق وهذا الحال يقتضى رتبة الاعلى وهي حفظ حدود الله تابعوا سنة الله ورسوله فى شريعته وامروا على انفسهم وعلى خلقة امر الله ورسوله ولا يتجاوزون عن حدود الله التى اعلامها معروفة فى خطابه فالحافظون لحدود الله القائمون فى مقام العبودية بعد كشف صفات الربوبية لهم فلا يتجاوزون عن حد العبودية وان ذاقوا طعم حلاوة الربوبية وبعد ان اتصفوا بصفاته وعاينوا جمال ذاته لا تدعون الربوبية كفعل سكارى المحبة لانهم فى محل التمكين على اسوة مراتب النبى صلى الله عليه وسلم مع كماله قال " انا العبد " لا اله الا الله ثم جمع هذه الاوصاف الشريفة والمراتب الرفيعة فى اسم واحد وهو اسم المؤمن وبشرهم بجزيل المقامات فى الدنو والمداناة بقوله { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعنى العارفين الذين هذه الاوصاف صفتهم وهم فى اعلى الدرجات من التوحيد اى بشرهم انا لهم وهم لى حجاب بينى وبينهم ابدا واذا خرجوا من هذه المفاوز الوعرة لا يبقى بينى وبينهم امتحان بعد ذلك فان هناك لهيب الوصال بلا علة الفرقة وكشف الجمال بلا حجاب الوحشة قال تعالى { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } ولى ايضا لطيفة فى حق المؤمنين ان الله سبحانه ذكر اوصاف هؤلاء الكبرياء من هل المقامات والدرجات وما ذكر ذكر البشارة هناك كأنه ذلك تقتضى حزن المؤمنين الذين هم فى ادنى الدرجات من درجاتهم فبشرهم بالبشارة وعاملهم بالبيع والشرى قال فى الاول { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } وقال فى اخر الاية { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } اى اشتريت منهم نفوسهم بثمن كريم قال { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بان ذلك فإنا الثمن الكريم جنة مشاهدتى التى بسّامه بنعت الرضا فى وجوههم حين تطلع لعيونهم فان ليس لهم هذه المقامات افنا مشترى المفلسين وانا مبشر المحزونين اى الدرجات لهؤلاء وانا للمؤمنين خاصة بلا علة المعاملة ولا شبهة الجهد والجاهدة وايضاً { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بهؤلاء المقامات فانهم ايضا من اهل المقام بايمانهم بهؤلاء الاصفياء الا ترى الى قول رويم قدس الله روحه حيث قال من امن بكلامنا هذا من وراء سبعين حجاباً فهو من اهله قال سهل فى قوله { ٱلتَّائِبُونَ } ليس فى الدنيا شيء من الحقوق اوجب على الخلق من التوبة ولا التوبة الا بالحمد على وقفت به عليه من طلب طريق التوبة ولا يصح التوبة الا بمداومة السياحة والرياضة ولا يدرك هذه المقامات الا بمداومة الركوع والسجود ولا يصح هذا كله الا بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا يصح مما تقدم الا بحفظ الحدود ظاهرا وباطناً والمؤمن من يكون هذه صفته لان الله يقول { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الذين هم بهذه الصفة قيل فى قوله { ٱلتَّائِبُونَ } الراجعون الى الله بالكلية عن جميع ما لهم من صفاتهم واحوالهم { ٱلْعَابِدُونَ } القائمون معه على حقيقة شرائط الخدمة { ٱلْحَامِدُونَ } العارفون نعم الله عليهم فى كل خطرة وطرفة عين { ٱلسَّائِحُونَ } الذين حبسوا انفسهم عن مرادها طلباً لرضا { ٱلرَّاكِعُونَ } الخاضعون له على الدوام و { ٱلسَّاجِدونَ } الطالبون قربة { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } الامرون لسنة النبى صلى الله عليه وسلم { وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } عن ارتكاب مخالفات السنن { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } المراعون اوامر الله عليهم فى خوارجهم وقلوبهم واسرارهم وارواحهم { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } القائمين بحفظ هذه الحرمات وقال ابو يزيد الساحة راحة من ساح استراح وقال ابو سعيد الخراز فى قوله { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } قال هم الذين اصغوا الى الله باذان فهومهم الواعية وقلوبهم الطاهرة ولم يتخلفوا عن ندائه بمحال وعن على بن موسى الرضا عن ابيه عن جعفر قال لا يصح العبادة الا بالتوبة فلذلك قدم التوبة على العبادة ولا يتم التوبة الا بملازمة العبادة فجعله تأليفاً قال ابن عطاء التائبون الراجعون الى الله من كل ما سواه من الاغيار والعابدون الواقفون على بابه يطلبون الاذن عليه شوقا منهم اليه والحامدون هم الذين يشكرونه على السراء والضراء اذ كل منه وما كان منه فهو مقبول بالسمع والطاعة والسائحون التاركون شهواتهم ومراداتهم لمراد الحق فيهم والراكعون الخاضعون لعظمة الله والساجدون المتقربون الى الله بخدمته والامرون بالمعروف القائمون باوامر الله بحسب الطاقة الناهون عن المنكر التاركون مخالفة الحق اجمع وهم الذين يوالون اولياء الله ويعادون اعداءه قال الاستاذ فى قوله { ٱلتَّائِبُونَ } الراجعون الى الله فمن راجع يرجع عن زلته الى طاعته ومن راجع يرجع عن متابعة هواه الى موافقة رضاه ومن راجع يرجع عن شهود نفسه الى شهود لطفه ومن راجع يرجع عن الاحسان بنفسه وابناء جنسه الى الاستقرار فى حقائق حقه وقال فى قوله { ٱلْعَابِدُونَ } هم الخاضعون بكل وجه الذين لا يسترقهم كرائم الدنيا ولا يستعبدهم عظائم العقبى والحامدون الشاكرون له على وجود افضاله المثنون عليه عند شهود جماله وجلاله والسائحون الممتنعون عن خدمة غير الله المكتفون من الله بالله والراكعون الخاضعون لله فى جميع الاحوال تحت سلطان التجلى والساجدون فى الظاهر بنفوسهم على بساط العبودية وفى الباطن بقلوبهم عند شهود الربوبية الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم الذين يدعون الخلق الى الله ويحذرونه عن غير الله يتواصون بالاقبال على الله وترك الاشغال بغير الله والحافظون لحدود الله يحفظون الله مع الله انفاسهم قيل فى قوله { ٱلسَّائِحُونَ } الذين يسيحون فى الارض على جهة الاعتبار طلبا للاستبصار ويسيحون بقلوبهم فى مشارق الارض ومغاربها بالتفكر فى جوانبها ومساكنها والاستدلال بتغيرها على منشاها والتحقق بحكمة خالقها كلما يرون من الايات التى فيها ويسيحون باسرارهم فى الملكية فيجدون مرجع الوصال ويعيشون بنسيم الانس والتحقق بشهود الحق .