Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 40-41)
Tafsir: Mafātīḥ al-ġayb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } من كان مصطفى بتأييد الازل لا يحتاج الى نصرة احد غير الله ومن اعزه الله بعزته جعله ناصرا له وهو مستغنى عن نصرته وناصره تشرف نصرته او نصرة الخلق قائم بنصرة الحق ومن انقطع الى الله من الخلق اعانه الله على كل همة ويصل الى كل نعمة وصف تعالى نصرته لنبيه عليه السّلام حين أوى اليه فى دخوله مع صاحبه فى الغار بكشف جماله وابراز نوره منه لصاحبه اى من كان قادرا بنصرة من كان مخفيا وراء نسج العنكبوت على اعدائه بلا مددكم ولا عددكم وايضا هو بنصره ويجعله غالباً على كافة الخلائق مما اعطاهم من راية نصرة الازلية واعلام دولة الرسالة والنبوة قيل نصره الله حيث اغناه عن نصرتكم بقوله { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } ومن كان فى ميدان العصمة كان مستغنيا عن نصرة المخلوقين الا تراه لما اشتد الامر كيف قال " بك اصول " فأمده الناصر والمعين ومعنى قوله { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } اشارة الى خاصية الصديق بصحبته الحبيب اذ كان مشربه من مشارب بحار نبوته وسواقى أنهار رسالته التى جرت من قلزم القدم ولولا تلك الاهلية لما كان فردا فى الصحبة كان الصديق فى منزل ما كان محمد وكان الله ولم يكن معه شئ من شقائق قدسه وبرقه من بروق انوار انسه خرجا من تلك الانوار ودخلا بها في الغار وعرف الحبيب الصديق خصائص المعيّة معه حين ورد عليه طوارق الامتحان واخرجته من رؤية الحدثان بقوله { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } اى لا تحزن بتغير الاصطفائية وانكسار حصون العصمة فهو معناه بمعنى القدرة والعلم الازلى وعناية الابدية وظهور مشاهدته من حيث القلب والروح والعقل بوصف المناجاة و المداناة وقال ابن عطاء فى قوله { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } قال فى محل القرب فى كهف الانوار فى الازل وقال فى قوله { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } ليس من حكم من كان الله معه ان يحزن وقال الشبلى { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } تشخصه مع صاحبه وواحد الواحد بقلبه مع سيده وقال ابن عطاء فى قوله { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } معناه ان الله معنا فى الازل حيث وصل بينا ووصل الصحبة ولم يتفضل قيل فى قوله { لاَ تَحْزَنْ } كان حزن ابى بكر اشفاقاً على النبى صلى الله عليه وسلم وقيل شفقة على الاسلام ان يقع فيه وهن وقال فارس انما نهى عن الحزن لان الحزن علة وانما هو تعريف أن الحزن لا يحل بمثله لانه فى محل القربة وقيل اخرجهما الغيرة الى الغار عليهما الحق فسترهما عن اعين الخلق لانهم كانوا فى مشاهدته يشهدهم ويشهدونه الا ترى كيف يقول عليه السّلام لابى بكر " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " مشاهدا لهما وعونا وناصرا ويقال فى قوله { نَصَرَهُ ٱللَّهُ } من تلك النصرة ابقاه اياه فيما لقاه به من كشوفاته فى تلك الحالة ولولا نصرته لتلاشى تحت سطوات كشفه ويقال صحيح ما قالوا للبقاع دون ما خطر ببال احد ان ذلك الغار يصير مثوى ذلك السيد صلوات الله عليه ولكن يختص بقسمته ما يشاء كما يختص برحمته من يشاء ويقال علقت قلوب قوم بالعرش فطلبوا الحق منه وهو تعالى يقول { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } معناه انه سبحانه وان تقدس عن كل مكان ولكن هذا الخطاب حياة لاسرار أرباب المواجيد وينشد @ يا طالب الله فى العرش الرفيع به لا تطلب العرش ان المجد في الغارِ @@ ولى نكتة عجيبة فى قوله { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } فى قوله عليه الصلاة والسّلام لصاحبه { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } هذا نفى الاتحاد بالوحدانية كما نفى عن عيسى وامّه حين زعموا النصارى ان الله ثالث ثلاثة فقال { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } نفى الألوهية عن الروح والصديقة كما نفى هٰهنا عن سيد المرسلين وسيد الصديقين حتى لا يظن ظان ان من العرش إلى الثرى لم يكن فى ساحة الكبرياء والازلية اثر لان الالوهية القديمة ممتنعة عن الانقسام والافتراق والاجتماع وتحقيق ذلك قوله { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } وتلويح ذلك نفى الاتحاد واظهار الانبساط ودليل الاشارة بقوله { لاَ تَحْزَنْ } اثبت الحزن فى طلب ابى بكر رضى الله عنه وذلك الحزن حزن فوت الحال والوقت فى زمان البأس والابتلاء وعرفه عليه السّلام ان الوقت والحال لا يفوت عنا فهو تعالى معنا بالكشف والوقت والحال بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } ثم زاد فى حدث الكشف والوصال حيث حزن صاحبه لاجلها بقوله { فَأَنْزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } اشارة ان سكينته نزلت من عند الله عن قلب محمد صلى الله عليه وسلم وتلك زيادة وضوح الكشف والمداناة والنبى صلى الله عليه وسلم كان مستقيما فى الاحوال كلها وما حزن لاجل الفوت ولكن انزلت السكينة عليه لاجل زيادة استقامة قلب الصديق وذهاب الحزن عنه ليستضئ نورها من جمال النبى صلى الله عليه وسلم ولو انزلت على الصديق بغير واسطة النبى صلى الله عليه وسلم لذاب تحت اشراق سلطان انوار القدم لان تلك البرحاء فى تلك الاوقات لا يحتملها الا المرسلون من اولى العزم كان قال انزل سكينة ابى بكر على محمد وان كان الهاء راجعا الى الله سبحانه ويحتمل ان السكينة نزلت على ابى بكر فاما النبى صلى الله عليه وسلم فكانت السكينة عليه قبل ذلك قال بعضهم السكينة لابى بكر ما ظهر له على لسان المصطفى صلوات الله عليه من قوله " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " قال بعضهم السكينة سكون القلب الى ما يبدو من مجارى الاقدار وقال ابن عطاء يحتمل ان ابا بكر لم يكن محزونا ولكن النبى صلى الله عليه وسلم بشفقته عليه حذر ما يجوز ان يكون فى ذلك الحال فقال له { لا تحزن ان الله معنا } قال ابو بكر بن طاهر دعا الرّسول بأخص اسمائه وارفعها وقدم اسمه على صفتهما وقال موسى { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي } فدعاه باسم التربية وهو من عموم الاسامى وقدم اسمه على اسم ربه فقال { مَعِيَ رَبِّي } فلذلك عصم امة محمد صلى الله عليه وسلم من الشرك وابتلى امة موسى بعبادة العجل وهٰهنا ان موسى كان غيورا فلم ير فى البين احدا من غيره على ربه فكأن النبى صلى الله عليه وسلم خرج من حد الغيرة هٰهنا لانه كان غنياً بالمشاهدة وكان موسى فى محل الافتقار الى المشاهدة فقال الكليم { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي } وقال الحبيب { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } فوقع موسى فى رؤية الصفات حيث سماه بالرب ووقع النبى صلى الله عليه وسلم فى رؤية الذات بما سماه باسم الجمع وهو قوله { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } وزاد عليه نعمته بقوله { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } هذه الجنود جنود عساكر تجلى جمال الازل انزلت على اسراره لانها تطيق حملها فان فى الكون لم يكن لتلك الجنود محل قبولها وقال جعفر فى قوله جنود اليقين والثقة بالله والتوكل عليه ويقال كان الرسول عليه السلام ثانى اثنين بظاهر شجه ولكن كان مستهلك الشاهد فى الواحد بسره ثم وصف منته سبحانه على الكل باذهابه ظلمة الطبائع واخراجه انوار الشرائع بقوله { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } جعل الدعاوى الباطلة فانية تحت انوار التوحيد والحقيقة كلمته انفراده بفردانيته وعلوه بنعت التنزيه والتقديس عن ظنون خلقه بانه عزيز بعد الكبرياء وحكيم فى اختصاصه أولياءه بكشف البقاء ثم ان الله سبحانه حث الجميع على التسارع ببذل القلوب والارواح والاشباح الى ميادين الوحدانية والفردانية لرؤية جماله وكشف جلاله وادراك وصاله بقوله { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } اى انفروا الى ابواب الازل خفافا بالعقول القدسية وثقالا بالقلوب الملكوتية وايضاً خفافاً بالأرواح الروحانية وثقالا بالقلوب السماويّة وايضاً خفافاً بالارادات الصادقة وثقالا بالمحبة المفرطة وايضاً خفافاً بالايمان وثقالا بالايقان وايضاً خفافاً بالانس وثقالا بالقدس وايضاً خفافاً بانوار المودة وثقالا بامانات المعرفة وايضا خفافاً بالتجريد عن الحدثان وثقالاً بانوار التوحيد الى جمال الرحمن وايضاً خفافاً بنعوت الافتقار وثقالا بكسوة غنى العزيز الغفار وايضا خفافا بالقناعة وثقالاً بالتوكل وايضاً خفافاً بالبسط وثقالاً بالقبض قال ابن عطاء خفافاً بقلوبكم وثقالاً بابدانكم وقال ابو عثمان خفافاً وثقالا فى وقت النشاط والكراهية فان البيعة على هذا وقعت كما روى عن جزير بن عبد الله قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنشط والمكره وقال بعضهم خفافاً الى الطاعات وثقالاً الى المخالفات { وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ } للفقراء ان لا تمنعوهم حقوقهم وجاهدوا بانفسكم الشياطين كيلا تستولى عليكم .