Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 1-25)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وقرآن مُبين } أي : جامع لكل شيء ، مظهر له { ولقد جعلنا } في سماء العقل { بروجاً } مقامات ومراتب من العقل الهيولاني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد { وزيناها } بالعلوم والمعارف { للناظرين } المتفكرين فيه { وحفظناها من كل شيطان رجيم } من الأوهام الباطلة { إلا من اسْتَرَق السمع } فاخْتَطف الحكم العقليّ باستراق السمع لقربه من أفق العقل { فأتبعه شهاب مُبِين } أي : برهان واضح فنطرده ونُبْطِل حكمه . وأرض النفس { مددناها } بسطناها بالنور القلبيّ { وألقينا فيها رواسي } الفضائل { وأنبتنا فيها من كل شيء } من الكمالات الخلقية والأفعال الإرادية والملكات الفاضلة والمدركات الحسيّة { موزون } معين مقدّر بقدر عقلي عدلي غير مائل إلى طرفي الإفراط والتفريط لكل قوة بحسبها { وجعلنا لكم فيها معايش } بالتدابير الجزئية والأعمال البدنية { ومن لستُم له بِرَازقين } ممن ينسب إليكم ويتعلق بكم ، أو جعلنا في سماء القلب بروجاً مقامات كالصبر والشكر والتوكل والرضا والمعرفة والمحبة ، وزيناها بالمعارف والحِكَم والحقائق { وحفظناها من كل شيطان رجيم } من الأوهام والتخيلات { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [ الحجر ، الآية : 18 ] أي : إشراق نوري من طوالع أنوار الهداية . { وإنّ من شيء إلاّ عندنا خزائِنَه } أي : ما من شيء في الوجود إلا له عندنا خزانة في عالم القضاء أولاً بارتسام صورته في أمّ الكتاب الذي هو العقل الكليّ على الوجه الكليّ ، ثم خزانة أخرى في عالم النفس الكليّة وهو اللوح المحفوظ بارتسام صورته فيه متعلقاً بأسبابه ، ثم خزانة أخرى بل خزائن في النفوس الجزئية السماوية المعبّر عنها بسماء الدنيا ولوح القدر بارتسام صورته فيها جزئية مقدّرة بمقدارها وشكلها ووضعها { وما نُنزله } في عالم الشهادة { إلا بقَدرٍ مَعْلوم } من شكل وقدر ووضع ووقت ومحل معينة واستعداد مختص به في ذلك الوقت . { وأرسلنا } رياح النفحات الإلهية { لواقح } بالحكم والمعارف ، مصفيّة للقلوب ، معدّة للاستعدادات لقبول التجليات { فأنْزَلنا } من سماء الروح ماء من العلوم الحقيقية { فأسقيناكموه } وأحييناكم به { وما أنتم } لذلك العلم { بخازِنين } لخلوكم عنها . { وإنّا لنحن نُحْيي } بالحياة الحقيقية بماء الحياة العلمية والقيام في مقام الفطرة { ونُمِيت } بالإفناء في الوحدة { ونحنُ الوارثون } للوجود ، الباقون بعد فنائكم . { ولقد علمنا المستقدمين منكم } أي : المستبصرين ، المشتاقين من المحبين الطالبين للتقدّم { ولقد علمنا المستأخرين } المنجذبين إلى عالم الحس ومعدن الرجس باستيلاء صفات النفس ومحبة البدن ولذاته ، الطالبين للتأخر عن عالم القدس { وإنّ ربّك هو يحشرهم } مع من يتولونه ويجمعهم إلى من يحبونه وينزعون إليه { إنه حكيمٌ } يدبر أمرهم في الحشر على وفق الحكمة بحسب المناسبة { عليمٌ } بكل ما فيهم من خفايا الميل والانجذاب والمحبة وما تقتضيه هيئاتهم وصفاتهم فسيجزيهم وصفهم .