Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 88-99)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } لكون الاستعداد الكامل الحامل له مخصوصاً بك وأنت قطب العالم يرشح إليهم ما يطفح منك فلا يمكنهم الإتيان بمثله ولا يطيقون حمله ، ولهذا المعنى أبى أكثرهم { إلا كفوراً } واقترحوا الآيات الجسمانية المناسبة لاستعدادهم وإدراكهم كتفجير العيون من الأرض وجنّة النخيل والأعناب وإسقاط السماء عليهم كسفاً والرقي فيها والإتيان بالملائكة وسائر الممتنعات المتخيلة وأجيبوا بقوله : { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين } أي : ما أمكن نزول الملائكة مع كونهم نفوساً مجرّدة على الهيئة الملكية في الأرض ، بل لو نزلت لم ينزلوا إلا متجسدين ، كما قال : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام ، الآية : 9 ] وإلا لم يمكنكم إدراكهم فبقيتم على إنكاركم ، وإذا كانوا مجسدين ما صدّقتم كونهم ملائكة فشأنكم الإنكار على الحالين بل على أيّ حال كان كإنكار الخفاش ضوء الشمس . { ومن يهد الله } بمقتضى العناية الأزلية في الفطرة الأولى بنوره { فهو المهتد } خاصة دون غيره { ومن يضلل } بمنع ذلك النور عنه { فلن تجد لهم } أنصاراً يهدونه { من دونه } أو يحفظونه من قهره { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } أي : ناكسي الرؤوس لانجذابهم إلى الجهة السفلية أو على وجوداتهم وذواتهم التي كانوا عليها في الدنيا كقوله : " كما تعيشون تموتون ، وكما تموتون تبعثون " إذ الوجه يعبر به عن الذات الموجودة مع جميع عوارضها ولوازمها أي على الحالة الأولى من غير زيادة ونقصان { عمياً } عن الهدى ، كما كانوا في الحياة الأولى { وبكماً } عن قول الحق ، لعدم إدراكهم المعنى المراد بالنطق إذ ليسوا ذوي قلوب يفهم بها ويفقه ، فكيف التعبير عما لم يفهم { وصمّاً } عن سماع المعقول ، لعدم الفهم أيضاً ، فلا يؤثر فيهم موجب الهداية لا من جهة الفهم من الله تعالى بالإلهام ولا من طريق السمع من كلام الناس ولا من طريق البصر بالاعتبار { كلما خبت زدناهم سعيراً } كقوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء ، الآية : 56 ] بل أبلغ منه ذلك بسبب احتجابهم عن صفاتنا خصوصاً قدرتنا على البعث وإنكارهم له . أنكروا ما استدلوا بخلق السموات والأرض على القدرة .